بباردو سنة ١١٨٤ هـ/١٧٧٠ م. ولما تقدمت به السن ووهن منه الجسم أشرك ابنه حمودة معه فى الحكم، وكاتب الدولة العثمانية فى ذلك فوافقت، وتوفى سنة ١١٩٦ هـ/١٧٨٢ م. وخلفه ابنه حمودة، وكان أبوه قد عنى بتربيته وإعداده لإدارة الحكم والدولة إدارة سديدة وفى عهده استأجر بحّارة تونسيون من بعض بحارة البندقية سفينة لحمل بضائعهم من الإسكندرية إلى صفاقس، وعرّج بهم البحارة على مالطة، فقبض واليها على التونسيين وزجّ بهم فى السجن بحجة ظهور وباء فيهم وأمر بإحراق ما معهم من السّلع. وعاد التجار التونسيون إلى العاصمة تونس، وتظلموا لحمودة، فطلب من نائب جمهورية البندقية أن تؤدى جمهوريته قيمة ما ضاع على التجار التونسيين بمقتضى القانون التجارى، وأفضى هذا النزاع إلى إعلان تونس الحرب على البندقية سنة ١٢٠٤ هـ/١٧٩٠ م وجهزت لذلك أسطولها، ورضيت البندقية بدفع الغرامة وانعقد الصلح بين الحكومتين. وفى سنة ١٢٠٩ هـ/١٧٩٥ م وفد على تونس والى طرابلس على القرمانلى فرارا من ثورة لعلى برغل فيها، فأحسن استقباله حموده، وكان على برغل قد استولى أيضا على جزيرة جربة التونسية، فأرسل إليها حمودة الأسطول التونسى فاستردها بمجرد ظهوره أمامها، وأرسل أحد قواده على رأس جيش مع والى طرابلس فدحر على برغل وأقرّ عليها على القرمانلى، وعاد الجيش ظافرا منصورا. ونشبت الحرب بينه وبين الجزائر سنة ١٢٢١ هـ/١٨٠٧ م وكانت لهم الجولة الأولى وأعاد حمودة الكرّة وانتصر جيشه انتصارا ساحقا.
وكل ذلك يدل على أن تونس حظيت فى عهد حمودة بمكانة دولية كبيرة.
وقد عم فيها الرخاء والأمن ونشطت الزراعة والصناعة والتجارة بها نشاطا كبيرا إلى نهاية حكمه سنة ١٢٢٩ هـ/١٨١٤ م وكان معاصرا لنزول الحملة الفرنسية مصر وانتصار المصريين عليها انتصارا حاسما سنة ١٢١٥ هـ/١٨٠١ م وهو انتصار هز العرب فى جميع بلدانهم هزة عنيفة جعلتهم يستيقظون من سباتهم الطويل ويستشرفون عصرهم الحديث مستشعرين فيه كيانهم وهويّتهم العربية الإسلامية، ونرى الباي حمودة يستشعر-بقوة-شخصية تونس ويحاول- جادّا-أن يعيد إليها قواها التى طمرها العثمانيون حقبا متوالية، فيأمر بتجنيد التونسيين وإشراكهم فى الجيش والحكم مع الترك أو الحامية التركية، وضرب للتونسيين بنفسه مثلا وطنيا كريما فى ملبسه ومطعمه، فلم يكن يلبس إلا من منسوجات تونس ولم يكن يطعم إلا من خيراتها وطيباتها متباهيا بذلك مفاخرا، وبذلك ابتدأ الداى حموده ببلده العصر الحديث فى القرن التاسع عشر بدءا قويما سديدا.