ورونقا، بفضل تمثل الشعراء الفريد فى العصر للصياغة العربية السليمة وبصرهم بأسرارها وحذقهم لخصائصها حذقا جعلهم يسوّون منها جواهر ولآلئ كثيرة.
وإذن فمن واجبنا أن نحترس أشد الاحتراس من حديث يوهان فك فى كتابه «العربية» عن اتساع الضيم الذى دخل فى العصر على لغة الشعر وصياغته، فإن هذا الضيم الذى ساقه حين يبحث لا يعدو ما لاحظناه آنفا عند البحترى ومعاصريه من أشياء تعدّ على الأصابع، وهى تدخل جملة فى الضرورات الشعرية، وكأن كل الضيم الذى خاله إنما هو سراب ظنه ماء، ولا ماء هناك ولا ضيم حدث فى الفصحى على ألسنة شعراء العصر، بل لقد كانوا يتقنون المعرفة بأسرارها ورسومها وصياغاتها الباهرة كأشد ما تكون المعرفة دقة وعمقا.
[٢ - ذخائر عقلية خصبة]
مرّ بنا نشاط الترجمة فى العصر كما مر بنا النشاط العام للحياة العقلية، حتى ليكاد يظن الإنسان أنه لم يكن هناك أحد لا تتسع قراءاته، فتشمل جميع مواد الثقافات المعروفة حينئذ من عربية وإسلامية وأجنبية من موارد شتى: موارد هندية وفارسية ويونانية، مع ما كان يداخل المعارف الهيلينية من موارد شرقية فارسية وغير فارسية. فكل ذلك كان تحت أبصار الناس من شباب وغير شباب ينهلون منه كما يشاءون دون حجاب ودون أية صعوبات، فدار الحكمة مكتبة الدولة مفتوحة على مصاريعها ودور أخرى كثيرة عرضنا لها فى غير هذا الموضع، ودكاكين الوراقين بالمثل تعرض كل ما يطلبه القارئ، وحلقات المساجد تموج بالمحاضرين فى مختلف فروع المعرفة، ولكل شخص الحق فى أن يستمع إلى ما يرغب فيه من هذه المحاضرات.
وأخذ العرب حينئذ يشاركون مشاركة قوية فعالة فى تاريخ الفكر الإنسانى؛ فإذا علماء وفلاسفة عظام يأخذون فى الظهور بينهم، ويكفى أن نذكر الخوارزمى العالم