للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الرّابع

طوائف من الشعراء

١ -

شعراء الغزل

فلما يخلو شعر شاعر موريتانى من أبيات ومقطوعات-وأحيانا قصائد-تصف تعلقه بفتاة فى شبابه، غير أن شاعرا لم يعش لوصف الحب وتباريحه، مثل شعراء الغزل العذرى فى عصر بنى أمية من أمثال قيس بن ذريح وجميل أو مثل شعراء الغزل الصريح أمثال عمر بن أبى ربيعة والعرجى، إنما هى خواطر تلم بالشاعر الموريتانى إزاء عاطفة الحب الخالدة فى الحياة الإنسانية. ودأب الشعراء على محاكاة أسلافهم من شعراء العرب فى التقديم لقصائدهم الطويلة بذكر الأطلال ووصف الأظعان وما يتخلل ذلك من النسيب. ولن نقف فى عرضنا للغزل الموريتانى عند هذا الجانب لأنه-فى واقعه-محاولة لمحاكاة القدماء وقلما حمل تصوير الموجدة الحقيقية إنما نعرض طائفة بديعة من أشعار الغزل التى انتخبها الدكتور محمد المختار ولد إباه فى كتابه الشعر والشعراء فى موريتانيا، وممن أنشد له مقطوعات وقصائد طريفة فى الغزل محمد بن محمدى وله من قصيدة بارعة (١):

فيمن أهيم بها لاموا ولو هاموا ... فيمن أهيم بها يوما لما لاموا

هام الفؤاد بمن لولا ملاحتها ... ما سفّهت من ذوى الأحلام أحلام

تلك التى من لماها مسّنى لمم ... باد ومن سقم الأجفان أسقام (٢)

نام الأخلاّء عن ليلى وأرّقنى ... شوقى وما صدق العشّاق إن ناموا

من لى بوصل وإن كان الوصال بما ... تبديه فى سنة الوسنان أحلام

إن تمنع الوصل أيام لنا فعسى ... أن تمنح الوصل للمشتاق أيّام

وهو يقول إن من حولى يلوموننى فى هيامى بصاحبتى ولو رأوا جمالها الفاتن يوما لهاموا بها مثلى وكفّوا من لومهم، وقد هام الفؤاد بها لحسنها ولولاه ما سفّهت عقول العقلاء الذين شغفوا بها حبا. وتلك هى التى مسّنى من جمال شفتيها وفتنتها ما يشبه الجنون وأصابنى من سقم أجفانها ما لا يحد من الأسقام. ويعجب أن نام الأخلاء وهو مؤرّق مسهّد لأنه عاشق،


(١) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٩٦.
(٢) لماها: سمرة شفتيها. لمم: طرف من الجنون أو شدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>