للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل الجليل جميل فارض ما فعلا ... رمى بقلبك شجوا أو رمى جذلا (١)

واذكر مصيبة خير الخلق تسل بها ... إذا عليك مصاب معضل نزلا (٢)

به تيتّم-إذ أودى-بنو حسن ... يتم ابن يومين والعافون والنّزلا (٣)

لو ساعدتنى القوافى ما تركت لمن ... يرثى مقالا ولا يشفى لى الغللا (٤)

وباب يدعو للرضا بقضاء الله وكل ما ينزله بالإنسان من حزن أو فرح، ويقول إن مصيبة الأمة فى خير الخلق رسولها الكريم يجعل كل فرد فيها يتعزّى بها عن كل ما ينزل به من مصاب فادح أو كما يقول شديد عسر. وقد أصاب باليتم من يعولهم من بنى حسن والسائلين والضيفان. ولو ساعدته القوافى ما ترك لراث أو نادب مقالا، ومهما قال فلن يستطيع شفاء ما يكنه من حرارة الحزن عليه. ويقول فى رثاء زوجته مريم بنت محمد مولود:

همّ تأوّبه من بعد ما هجعا ... قد بات منه يراعى النجم مكتنعا (٥)

أضحى الفؤاد به من لوعة خبلا ... والعين تسكب من تذرافها دفعا

يبكى على مريم يوما وحقّ له ... أن لا يزال عليها باكيا وجعا

يا ليلة بتّها جنب المليحة لم ... أهنأ وقد نام عنى القوم مضطجعا

حتى دعاها إلى المولى المهيمن ما ... يدعو الملوك ويدعو الأعصم الصّدعا (٦)

يا ربّ مريم قد وافتك وافدة ... فاجعل لها جنّة الفردوس مرتبعا

ومريم زوجة باب هصر الموت غصن شبابها فى سن الواحدة والعشرين وقد تركت ولديها فاطمة وأحمد وقلبه مشغوف بهما، وهو يقول إن همّا ظل يعاوده بعد هجوعه قليلا، وظل سهران يراعى النجوم فى غروبها وكأنما أصابه لشدة لوعته خبل، وعينه تذرف الدمع مدرارا، ويبكى على مريم بكاء حارّا ويتوجع وما كان عليه أشد من ليلتها الأخيرة وهو بجوار محبوبته يتجرع الحزن وقد نام الناس جميعا، ودعاها إلى ربها الموت الذى يدعو الملوك والوعول والوحوش الفتيّة، ويدعو لزوجته ربه أن يدخلها فراديس الجنان. ويستمر فى القصيدة ويدعو الله أن يلطف بولديها وأن تصلى عليها الملائكة وحاملو العرش والأنبياء والمسلمون فى صلاة الجمعة وحجاج بيت الله الحرام، ويسترجع مستسلما للقضاء. والمرثية مؤثرة بالغة التأثير.


(١) شجوا: حزنا. جذلا: مسرة.
(٢) معضل: شديد أو لا يمكن البرء منه.
(٣) العافون: السائلون.
(٤) الغلل جمع غلة: حرارة العطش وتستعار لنار الوجد والحزن.
(٥) مكتنعا: مائلا إلى الغروب.
(٦) الأعصم الصدع: الوعل الفتىّ القوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>