للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدولة الغزنوية (١)

كانت الدولة السامانية تستعين فى جيوشها بكثير من الترك وبذلك هيأت لهم-كما هيأ العباسيون من قبل-أن يصبح كثير من الوظائف المدنية بأيديهم، وأن يصلوا إلى رتب القيادة فى الجيش، وأن يقوّضوها نهائيا بحيث تصبح أثرا بعد عين. وكان من أثار ذلك قيام الدولة الغزنوية، فإن عبد الملك بن نوح السامانى (٣٤٣ - ٣٥٠ هـ‍.) كان قد عيّن مملوكه التركى: ألبتكين قائدا عاما، حتى إذا توفى عبد الملك مضى إلى غزنة بأفغانستان، وأعلن نفسه أميرا عليها، وعاجلته المنية، فخلفه ابنه إسحق، غير أنه لم يلبث أن توفى فقام عليها مملوك أبيه سبكتكين (٣٦٦ - ٣٨٧ هـ‍.) وهو المؤسس الأول للدولة الغزنوية، وقد بدأ أعماله بالاستيلاء على مدينة بست فى أفغانستان بمنطقة سجستان القديمة، وغنم فيما غنم منها الكاتب الفذّ أبا الفتح البستى، وكان يكتب لأميرها المغلوب، فأصبح كاتبا للدولة الجديدة. وأخذ سبكتكين يغزو الهند. وسقط كثير من قلاعها فى يده. وجرّد حملتين كبيرتين لحرب ملك البنجاب المسمى جيبال، وأرغمه على الطاعة والصلح على أموال طائلة، وأن يتخلّى له عن إقليم كابل فى شرقى أفغانستان، وكان يشرف على الطرق المؤدية إلى السهل الهندى الخصيب. واستغاث به نوح بن منصور فى سنة ٣٨٤ ضد الثائرين عليه، فنكّل بهم، مما جعله يلقّبه بناصر الدولة، ويولى ابنه محمودا على خراسان ويلقبه بسيف الدولة.

وتوفى سبكتكين، فخلفه ابنه إسماعيل بعهد منه، وكان ضعيفا، فطلب إليه أخوه محمود أن يتنازل له عن الحكم لتلك الدولة المترامية الأطراف، وكان محمود لا يزال واليا للسامانيين على خراسان، وأبى إسماعيل ذلك إباء شديدا، فسار محمود على رأس جيش إلى غزنه وهزم أخاه واضطره إلى إعلان تنازله. ومحمود الغزنوى (٣٨٧ - ٤٢١ هـ‍.) أكبر أمراء هذه الدولة وأبعدهم صيتا لمدّه أطنابها شرقا وغربا وشمالا، ولنهضته بالعلوم والآداب فى عصره نهضة واسعة. وكان مثل أبيه وأسرته والأتراك جميعا سنّيّا، ولعل ذلك ما جعله يضطهد الشيعة، وخاصة الغلاة منهم، واضطهد أيضا المعتزلة لأنه كان


(١) انظر فى الدولة الغزنوية الآثار الباقية للبيرونى وتاريخ ابن الأثير وابن خلدون وابن تغرى بردى وكتاب تاريخ اليمينى للعتبى مع شرح المنينى (طبعة القاهرة) فى مواضع متفرقة وكذلك تاريخ الأدب فى إيران من الفردوسى إلى السعدى لبراون ترجمة الدكتور إبراهيم أمين الشواربى فى أماكن متعددة وإيران ماضيها وحاضرها ص ٥٤، وتاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>