على مذهب أهل السنة (١). وكان الأمير منصور بن نوح الثانى السامانى قد انتهز فرصة مبارحته لخراسان لحرب أخيه، فولىّ عليها أحد أتباعه، وتطورت الأمور، كما مرّ بنا فى حديثنا عن السامانيين، بسقوطهم واستيلاء محمود على ديارهم، واعترف محمود اعترافا كاملا بالسلطة الروحية للخليفة العباسى، مما جعله يخلع عليه لقب:«يمين الدولة وأمين الملة». ويذهب براون إلى أنه لقب نفسه بلقب «ظل الله فى أرضه» وكان يتلقب بلقب السلطان وهو أول من تلقب بهذا اللقب فى الإسلام. واتسع سلطانه حتى شمل إمارة خوارزم الصغيرة والكرج (جورجيا) وما وراء النهر وايران الوسطى والشرقية غير مبق للبويهيين سوى كرمان وفارس.
ويشتهر محمود بكثرة حروبه وفتوحه فى الهند وتمكينه للدين الحنيف فى ديارها. وهو يعدّ فاتحها الحقيقى، أما فتح محمد بن القاسم الثقفى لها فى عهد الوليد بن عبد الملك فيعدّ غزوا أكثر منه فتحا حقيقيا، ومما فتحه فى الهند الملتان وكشمير والبنجاب.
وكان يبتغى بفتوحه هناك نشر الإسلام وإعلاء كلمة الله لا طلب المغانم، كما يزعم بعض المستشرقين. واستغل أموال هذه الفتوح الطائلة فى عمارة غزنة ومدن سلطنته وبناء المساجد الفخمة وفى إحداث نهضة كبيرة علمية وأدبية، وفيه يقول الفردوسى مصورا استئثاره بقلوب شعبه وعظمة شأنه وملكه:«عند ما يفطم الصبى ويتوقف جريان لبن أمه على شفتيه يكون أول ما ينطق به ويجرى على الشفتين لفظ محمود. إنه كالفيل بجسده ومثل جبريل بروحه، أما كفه فمزن هاطل، وأما قلبه فنهر النيل بخيراته. إنه السلطان والملك الكبير الشان، الذى جعل الشاة تنهل مع الذئب من حوض واحد فى أمان».
وعهد محمود من بعده لابنه محمد. وكان ابنه الأكبر مسعود غائبا بأصفهان، فأحفظه هذا العهد بعد وفاة أبيه، واشتبك مع أخيه فى حروب كتب له فيها النصر، وأصبح هو صاحب الدولة (٤٢١ - ٤٣٢ هـ.) وفتح-كما مر بنا-جرجان وطبرستان، وقضى على الدولة الزيارية. وكانت أمواج السلاجقة بدأت فى مدّها، ولم يستطع وقفها، فقد هزم أمامها فى عام ٤٣١ مما جعل رجال الدولة يعزلونه ويولون أخاه محمدا مكانه ثانية، وسرعان ما قتلوه وولوا مسعودا مكانه، وقتلوه بدوره، وولوا مكانه ابنه مودودا. ولم تمض سوى ثلاث سنوات حتى هزمه فى إثرها السلاجقة بخراسان هزيمة ساحقة فتركها لهم ولقائدهم «طغرلبك». وأخذ نجم هذه الدولة فى الأفول، فانسحب سلاطينها من إيران مكتفين بغزنة وبما وراءها من ديار الهند، ومن أهمهم إبراهيم المتوفى سنة ٤٩٣ وكان حازما
(١) فى المنتظم ٨/ ٤٠ أنه أمر بحرق كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض.