إذا كان الإباضية نجحوا فى أن يظل جبل نفوسة موطنا لهم إلى اليوم وبعض أنحاء من طرابلس وإقليمها فإن الدعوة العبيدية الإسماعيلية، على الرغم من أنها أسست لها دولة فى إفريقية التونسية وانضوى تحت لوائها المغرب جميعه من برقة إلى المحيط الأطلسى فترة غير قليلة فى القرن الرابع الهجرى، لم تستطع أن تبقى فى طرابلس وإفريقية التونسية إلى ما بعد القرن الرابع. ومعروف أن فرقة الشيعة الإمامية انقسمت منذ أواسط القرن الثانى الهجرى إلى اثنى عشرية يؤمنون بأن الإمامة انتقلت من جعفر الصادق سادس الأئمة الفاطميين إلى ابنه موسى الكاظم، ويدين بذلك الآن شيعة العراق وإيران، وإلى إسماعيلية يؤمنون بأن الإمامة انتقلت من جعفر الصادق إلى ابنه إسماعيل المتوفّى فى حياته، لأن الإمامة تنتقل فى عقيدتهم إلى الابن الأكبر حتى لو مات فى عهد أبيه، ونظّم هذه الدعوة عبد الله بن ميمون القدّاح واتخذ مركزا لها قرية سلمية بقرب اللاذقية، وأخذت تنتقل الإمامة فى تلك الدعوة سرا من أب لابن، حتى إذا كنا فى آخر القرن الثالث الهجرى كان الإمام عبيد الله المهدى، وتسلّل أحد دعاته الدهاة أبو عبد الله الصنعانى إلى الجزائر، واستطاع أن يقنع بتلك الدعوة الشيعية قبيلة كتامة، ولم يلبث أن قضى بها على الدولة التى كوّنتها الإباضية فى تيهرت بالجزائر، والأخرى التى كوّنتها الصفرية فى سجلماسة جنوبى المغرب الأقصى، وقاد من كتامة حملة قضى بها على دولة الأغالبة فى إفريقية التونسية سنة ٢٩٦ وكان قد ظل يدعو للرضا من آل البيت، حتى إذا قضى على الأغالبة كشف القناع عن وجهه، فأعلن قيام الدولة الفاطمية الإسماعيلية، واستدعى من سلمية الإمام المستتر بها أو المختفى عبيد الله. ووصل القيروان سنة ٢٩٧ وبويع بالخلافة بيعة عامة، ويسمى مؤرخو إفريقية التونسية الدولة باسم الدولة العبيدية نسبة إليه، وخاصة أن بعض المؤرخين تشكك فى نسب هذه الدولة إلى السيدة فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، غير أن ابن خلدون أكد صحة نسبتها إليها وأنها فاطمية حقّا. وكان طبيعيا أن يحاول عبيد الله-حين بويع له بالخلافة-الاستيلاء على ليبيا ونشر الدعوة الإسماعيلية بها، لما فيها من طيبات الرزق، ولأنها طريقه إلى مصر المأمولة. وبمجرد استيلائه على القيروان تبعته طرابلس إذ كانت تتبعها فى أيام الأغالبة، وولّى عليها كتاميّا سنة ٢٩٨ فسلّط جنده الكتامى على أهلها من قبيلة هوارة، فغضبوا غضبا شديدا وفتكوا بجنده، ولم يلبث جيش كتامى أن حاصرها، ولم يفك حصاره لها إلا بعد أن أغرم أهلها غرامة ضخمة: ثلاثمائة ألف دينار. وحاول عبيد الله المهدى ضمّ برقة إلى دولته واستعصت عليه، فأرسل إليها جيشا كتاميّا على رأسه قائد يسمى حباسة الكتامى، ففتك بكثيرين من أهلها واستصفى أموالهم، وغرّم أهلها مائة ألف دينار. وعادت برقة سريعا إلى الثورة سنة ٣٠٤ للهجرة، وردّها أحد قادة عبيد الله إلى الطاعة. وثار الإباضية فى جبل