المجتمع بل يعملوا ويجدوا مع صفاء النفس وسمو الروح، ومع التقوى والعمل الصالح. وشاعت طريقته فى الديار المصرية وفى شمال أفريقيا وخاصة فى الشمال الغربى، وتفرعت منها أكثر من عشرة طرق من أهمها الطريقتان الوفائية والخلوتية.
ابن عطاء (١) الله السكندرى
هو تاج الدين أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندرى، ولد بالإسكندرية فى أواخر العقد السادس من القرن السابع، واستهل حياته بحفظ القرآن الكريم، ثم أخذ يعكف على دراسة. العلوم الدينية واللغوية حتى برع فيها، يقول السيوطى:«كان جامعا لأنواع العلوم من تفسير وحديث ونحو وأصول وفقه على مذهب مالك». ويبدو أنه جمع إلى مذهب مالك دراسة مذهب الشافعى مما جعل السبكى يترجم له فى طبقات الشافعية، وله فى مذهب مالك مختصر تهذيب المدونة للبرادعى. وكان فى أول أمره منصرفا عن التصوف والصوفية. بل كان ينكر عليهم طريقتهم، حتى تصادف أن استمع إلى أبى العباس المرسى تلميذ أبى الحسن الشاذلى، فأعجب به، وأخذ يقتنع بطريقة القوم، حتى أصبح أكبر مريد لأبى العباس وآثر تلاميذه عنده، ولما توفى سنة ٦٨٥ خلفه على رياسة الطريقة الشاذلية. وله فضل كبير فى نشرها، فقد كان فقيها كبيرا، كما كان صوفيا شاذليا لسنا، فجلس مجلس أستاذه يدرّس للناس الفقه والتفسير ويعظهم، فيبلغ كل ما يريد من التأثير فيهم.
واستوطن ابن عطاء الله القاهرة، واتخذ له حلقة فى الجامع الأزهر تارة وفى المدرسة المنصورية تارة أخرى يعظ الناس ويرشدهم، وأكبّ عليه الفقهاء وفى مقدمتهم تقى الدين السبكى، وأكبّت عليه العامة، ودخل كثيرون فى طريقته لروعة وعظه وحسن بيانه، وخاصة أنه كان يمزج مواعظه بالقرآن الكريم والحديث النبوى وأقوال السلف. فكثر أتباعه، وأصبح لطريقته الشاذلية شأن عظيم، وكان يكرر ويردد دائما مبدأها الأساسى وهو أن الصوفى الحقيقى من يجمع بين علوم الشريعة وعلوم الصوفية، وأنه لا تصوف بدون أداء الفرائض والنوافل، وأن على المتصوف أن يكتسب قوته وما يقيم به أوده، وأما من يسألون الناس ويتضرعون إليهم طالبين ما يسدّون به رمقهم
(١) انظر فى ابن عطاء الله النجوم الزاهرة ٨/ ٢٨٠ وطبقات الشافعية ٩/ ٢٣ والدرر الكامنة ١/ ٢٩١ وحسن المحاضرة ١/ ٤٢٤ وطبقات الشعرانى ٢/ ١٤ والبدر الطالع ١/ ١٠٧ والديباج المذهب لابن فرحون (طبع القاهرة ١٣٥١ هـ.) ص ٧٠ والوافى ٨/ ٥٧ وشذرات الذهب ٦/ ١٩ وكتابا عنه للدكتور التفتازانى وأعلام الاسكندرية للدكتور الشيال ص ٢١٤.