للباحثين المحدثين من عرب ومستشرقين كتب مختلفة فى تاريخ الأدب العربى أدّت كثيرا من الفائدة والنفع منذ ظهورها، غير أن من الحق أنه ليس بين هذه الكتب ما يبسط الحديث فى أدبنا وأدبائنا على مرّ التاريخ من الجاهلية إلى العصر الحديث بسطا مفصلا دقيقا. وأغزر هذه الكتب وأحفلها مادة كتاب «تاريخ الأدب العربى» لبروكلمان، وهو دائرة معارف جامعة، لا تقتصر على الحديث عن شعرائنا وكتّابنا، بل تفيض فى الكلام عن فلاسفتنا وعلمائنا من كل صنف وعلى كلّ لون، مع استقصاء آثارهم المطبوعة والمخطوطة فى مشارق الأرض ومغاربها والإشارة إلى ما كتب عنهم قديما وحديثا. وهذه العناية من وصف التراث العربى جميعه جعلت بروكلمان لا يعنى عناية مفصلة ببحث العصور والظواهر الأدبية ولا ببحث شخصيات الأدباء بحثا تاريخيّا نقديّا تحليليّا، إذ شغلته عن ذلك مواد كتابه المتنوعة الكثيرة.
وإذن فأنا لا أبالغ إذا قلت إن تاريخ أدبنا العربى يفتقر إلى طائفة من الأجزاء المبسوطة تبحث فيها عصوره من الجاهلية إلى عصرنا الحاضر كما تبحث شخصياته الأدبية بحثا مسهبا، بحيث ينكشف كل عصر انكشافا تامّا، بجميع حدوده وبيئاته وآثاره وما عمل فيها من مؤثرات ثقافية وغير ثقافية، وبحيث تنكشف شخصيات الأدباء انكشافا كاملا، بجميع ملامحها وقسماتها النفسية والاجتماعية والفنية.
وقد حاولت أن أنهض بهذا العبء، وأنا أعلم ثقل المئونة فيه، فإن كثيرا من الآثار الأدبية القيمة لا يزال مخطوطا لما ينشر، وكثيرا مما نشر فى حاجة إلى أن يعاد نشره نشرا علميّا. وهناك بيئات أدبية يغمرها غير قليل من الظلام، إما لقلة ما بين أيدينا من تراثها الأدبى، وإما لأن الباحثين لم يكشفوا دروبها ومناجمها كشفا