كان شأن أهل ليبيا فى العصور السحيقة شأن كل الأقاليم المغربية وثنيين يعبدون الكواكب والنجوم من مثل الشمس والقمر والكواكب السيارة جميعا ويقدمون لها القرابين ويقيمون لها المعابد. ويبدو أن اليهود لما نزلوا بديارهم منذ القرن الثالث قبل الميلاد أخذوا يحاولون نشر دينهم بين المغاربة، ويظن أن بعض جماعات منهم تهودت قديما وظلت جماعات منهم تعيش فى المدن المغربية، وجاءهم مدد جديد حين قوّض الإمبراطور تيتوس معبدهم فى بيت المقدس سنة ٧٠ للميلاد، ونلقاهم بعد إسلام أهل المغرب-بفضل تسامح الإسلام العظيم-منتشرين فى إقليم طرابلس: فى طرابلس نفسها وفى مصراته وسيرين، ويذكر المؤرخون والرحالة حارة لهم بطرابلس، ويقال إنها كانت شديدة القذارة كما يذكرون أنه كان لهم معبد خاص.
وكانت المسيحية منتشرة-قبل الفتح العربى-بالمدن الساحلية فى ليبيا وغيرها من البلدان المغربية، وكانت شائعة فيها بين سلالات الفينيقيين والإغريق والرومان، بينما ظل جمهور البربر وثنيا. وربما اعتنق المسيحية بعض جماعات منهم فى المدن لما رأوا فيها من الدعوة إلى العدل والمساواة، ولكن لا شك أن هؤلاء كانوا أقلية، إذ كان الشعب البربرى يعدها دين حكامه الرومان المستبدين الطاغين، وهو ما جعلهم ينفرون منها نفورا شديدا وخاصة فى الهضاب والصحارى والجبال، ومع ذلك فقد سقط إلى هذه الأنحاء بعض القسس حينما اشتد أوار الخلافات الدينية واضطر بعض القساوسة إلى الفرار نحو الجبال أو نحو الجنوب، وأكبر الظن أنهم حاولوا الدعوة هناك إلى المسيحية، غير أنها لم تجد بين البربر هناك آذانا صاغية.
وبدون ريب كانت المسيحية منتشرة-كما ذكرنا-بين المدن الساحلية، وربما عملت روما على نشرها منذ أعلن الإمبراطور قسطنطين سنة ٣١٢ للميلاد أنها دين الدولة الرسمى، وأخذت تعمل على نشرها فى البلاد التابعة لها. ويبدو أن القبط المصريين كانوا أسبق من هذه الحركة الرومانية فى نشر المسيحية بليبيا إذ تتحدث المصادر العربية عن مناطق بليبيا كان أهلها أقباطا، ولا بد أن عملوا على نشر عقيدتهم الأرثوذكسية المسيحية فيها، وبذلك عرفت ليبيا-قبل الفتح العربى-الكنيسة الأرثوذكسية المصرية كما عرفت الكنيسة الكاثوليكية عن طريق روما وتشييدها لها فى طرابلس وغيرها.
وقد أخذ أبناء الكنيستين يتعايشون مع العرب فى العصور الإسلامية بالرغم من أن المسيحية