للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد وسّدوا بعد الحرير جنادلا ... ولم يستطيعوا للحوادث مدفعا

ولم يغن عنهم ما بنوه وشيّدوا ... وما متّعوا فى الدهر مع من تمتّعا

ولن تسمعوا إلا الصّدى بعد هاتف ... مجيبا له ثمّ الرياح الزّعازعا (١)

وهو يقول إن حكامها بعد معيشتهم فى القصور الباذخة وما كانوا يتوسدونه من الحرير والإستبرق والطنافس أصبحوا يتوسدون الصخور والتراب، وعبثا حاولوا أن يدفعوا عنهم حوادث الدهر إذا خرّوا صرعى جميعا، ويلتفت الشيخ محرز إلى صاحبيه هاتفا إن جزتما بربوعها الدراسة ناديانى وتسمّعا فإنكما لن تسمعا إلا صدى ندائكما ورياحا عاصفة، إذ أصبحت تلك المدينة ذات التاريخ العريق والأبنية الشامخة أطلالا عافية ورسوما داثرة، وهذه هى الدنيا كل شئ فيها إلى بلى وفناء

أبو الفضل (٢) بن النحوى

هو أبو الفضل يوسف بن محمد الذى عرف باسم ابن النحوى، مولده ومرباه بمدينة توزر قاعدة بلاد الجريد فى الإقليم التونسى وتركها شابا إلى القيروان لينهل من حلقات شيوخها وصحب اللخمى وأخذ عنه صحيح البخارى، ولما توفى لزم تلميذه المازرى حامل لواء الفقه المالكى، وحمل عنه مصنفاته الفقهية وأماليه فى الحديث النبوى، ونزل قلعة بنى حماد وأقرأ أو درس بها للطلاب وجال فى أنحاء المغرب، وأقرأ فى سجلماسة وفى فاس، وعاد إلى قلعة بنى حماد وتصدر فيها للتدريس بقية حياته إلى أن توفى عن ثمانين عاما سنة ٥١٣ هـ‍/١١٢٠ م، وكان لا يقبل من أحد عطاء ولا من حاكم راتبا، وظل يعيش طوال حياته من دخل مزرعة له بتوزر. وكان مثالا رفيعا للعلماء وعلى سنن الصالحين، قال عياض: «كان من أهل العلم والفضل، شديد الخوف من الله، غالب حاله الحضور معه تعالى». وله قصيدة استغاثية بديعة تسمى «المنفرجة» طارت شهرتها فى الآفاق وفيها يقول:

اشتدّى أزمة تنفرجى ... قد آذن ليلك بالبلج (٣)


(١) الزعازع: الشديدة
(٢) انظر فى أبى الفضل بن النحوى الخريدة ١/ ٣٢٥ وعنوان الدراية للغبرينى ص ١٩٤ والفارسية فى مبادئ الدولة الحفصية لابن منقذ ص ٢٦٨ وكتاب تعريف الخلف برجال السلف للحفناوى ١/ ١٩٥ وما به من مصادر والمجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١٧٢ وتاريخ الأدب العربى لبروكلمان (طبع دار المعارف) ٥/ ١٠٩ وذكر لقصيدته المنفرجة شروحا كثيرة منها شرح للنقاوسى البجائى وشرح لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى كما ذكر لها تشطيرات وتخميسات مختلفة.
(٣) البلج: ضوء الصباح.

<<  <  ج: ص:  >  >>