للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثالث

شعراء المديح والهجاء

[١ - شعراء المديح]

تعوّد العرب منذ العصر الجاهلى أن ينوّهوا فى أشعارهم بأشرافهم وذوى النباهة منهم ويتحدثوا عن خصالهم النبيلة من الكرم والشجاعة والحلم والوفاء وحماية الجار، وكان لا يعدّ السيد فيهم كاملا إلا إذا تغنى بنباهته ومناقبه غير شاعر. ومضوا على هذه السنّة فى الإسلام، فكل سيد فيهم وكل ذى مكانة يودّ لو يحظى بشاعر يشيد به، حتى يسير الركبان بذكره. وتستطيع أن ترجع إلى كتب الأدب والتاريخ مثل الأغانى والطبرى لترى مصداق ذلك واضحا، وكأنه لم يعد للشعراء من شاغل يشغلهم سوى مديح الخلفاء والولاة والقواد والأجواد، وسنعرض لمدّاح الأولين فى الفصل التالى. أما الولاة فإنه لا يوجد من بينهم من لم يتعلق الشعراء بمديحه ونثر ورود الثناء فى طريقه.

وأول من يلقانا من الولاة البارزين فى العراق لهذا العصر زياد بن أبيه ممدوح حارثة (١) بن بدر الغدانى التميمى ومسكين (٢) الدارمى، وقد شغف عبد الله بن الزّبير الأسدى بمدح ابنه عبيد الله (٣). ويخضع العراق لابن الزبير، ويولّى عليه أخاه مصعبا، وكان جوادا سمحا، فالتفّ حوله كثير من الشعراء يمدحونه من أمثال ابن قيس الرقيات وأعشى (٤) همدان ودكين الفقيمى (٥).

ويدخل العراق فى طاعة عبد الملك بن مروان فيولّى عليه خالد بن عبد الله بن أسيد الأموى وهو من الأجواد الممدحين (٦) ولا يلبث أن يعزله ويولى أخاه بشرا «وكان من فتيان قريش سخاء ونجدة، وكان ممدّحا «مدحه جرير والفرزدق والأخطل


(١) أغانى (ساسى) ٢١/ ١٩ وطبرى ٤/ ١٦٨ والمبرد ص ١٧٩.
(٢) ابن سلام ص ٢٥٩.
(٣) أغانى (دار الكتب) ١٤/ ٢٢٧، ٢٣٥.
(٤) أغانى ٦/ ٣٣ وطبرى ٤/ ٥٦٥، ٥٩٢.
(٥) معجم الأدباء (طبع مصر) ١١/ ١١٦.
(٦) المحبر لابن حبيب ص ١٥٠ والطبرى ٥/ ٤٥ حيث يذكر أنه وزع على الناس فى يوم واحد ألف ألف.

<<  <  ج: ص:  >  >>