للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرحيل الرحيل، هو الموت الذى ما فيه فوت ولا تعجيل، ولا يقبل الله فيه الفداء ولا يرضاه من بديل، كم ألحق عليلا بصحيح وصحيحا بعليل، وكم أخذ قريبا من قريب وخليلا من خليل، فكيف تطمعون فى الدنيا بالإقامة فيها وقابض الأرواح عزرائيل، فإلى متى هذه الغفلة والقساوة ولم يبق من العمر إلا القليل، ثم ترجعون إلى ربكم المتعالى فى كماله عن الشبيه والمثيل».

ولغة ابن نباتة فى خطابته عذبة سائغة، وقد بناها على السجع شأنه فى ذلك شأن الخطباء والكتاب فى العصر، فقد عم السجع حتى فى الكتابات التاريخية كما مر بنا عند العماد الأصبهانى، وسجعه يلذ الآذان حين تصغى إليه، لسهولته وخفته وبراعته فى صوغه حتى لتتوالى الخطبة مسجوعة على روى واحد، ويقول فى الخطبة الثانية من خطب شهر رمضان:

«عباد الله إن شهركم هذا شهر البركات والسرور، شهر ضاعف الله أجره وهو بالخيرات مغمور، والتجارة فيه لن تبور. . عباد الله! أوصيكم بالإكثار من كل عمل مبرور، وأنهاكم أن تحبطوا صيامكم بالغيبة والنميمة وقول الزور. . يا مفطرا بالحرام لأى شئ يكون الإفطار والسحور، يا غافلا عن طاعة الله ما هذه الغفلة والفتور، يا هائما فى تيه الهوى أما تخشى ظلمات القبور. . يا مائلا إلى زهرة الدنيا، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، يا عادلا عن طريق الهدى متى تهتدى ليوم النّشور».

وبهذه اللغة الصافبة الحلوة كان ابن نباتة يعظ الناس فى أيام الجمع، فيبلغ الأعماق من قلوبهم وأفئدتهم ونحس بصلة قوية بين خطبه وخطب على بن أبى طالب فى نهج البلاغة، وبدون ريب كان يتأثر فى خطابته ببيانه الرائع.

(ب) الفصول (١) والغايات

هذا كتاب جميعه وعظ لأبى العلاء المعرى قصد به إلى تمجيد الله العلىّ الأعلى، بدأ تأليفه قبل ذهابه إلى بغداد وأتمه بعد رجوعه، وقد أثار ضجة حوله منذ ظهوره، إذ زعم بعض خصومه منذ زمنه إلى أنه وضعه معارضة (٢) للقرآن الكريم، ونجد تلميذه ابن سنان الخفاجى الذى مرت ترجمته ينفى عنه بشدة هذه التهمة (٣)، ولعل من أسبابها أنه سمى الكتاب:


(١) انظر الفصول والغايات (طبعة محمود زناتى) وقد نشر القسم الأول منها وينتهى فى الغايات إلى حرف الخاء.
(٢) راجع سفرنامه لناصر خسرو (الترجمة العربية طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص ١١ ودمية القصر ١/ ١٣٠ وتعريف القدماء بأبى العلاء ص ٢١
(٣) تعريف القدماء بأبى العلاء ص ٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>