عليها لو ردته إليه، وله من جملة أبيات:
بصورة الوثن استعبدتنى وبها ... فنتنى وقديما هجت لى شجنا
لا غرو أن أحرقت نار الهوى كبدى ... فالنار حقّ على من يعبد الوثنا
والصورة طريقة غير أنه يداخلها شيئ من التكلف، إذ حاول أن يعلل لحرق نار الهوى لكبده بأن صاحبته استعبدته بصورة الوثن، وكأنه عبد وثنا وحقّت عليه النار، ولم يكن فى حاجة إلى إيراد هذه العلة وتكلفها على هذا النحو، فنار الهوى تحرق أكباد الشعراء من قديم، ولعل الصورة التالية أكثر تكلفا إذ يقول فى غزله:
زكاة رءوس الناس فى عيد فطرهم ... يقول رسول الله-صاع من البرّ
ورأسك أغلى قيمة فتصدّقى ... بفيك علينا فهو صاع من الدّرّ
فقد وضع صورة الزكاة فى عيد الفطر وما يجب على كل مسلم من تصدقه بصاع من البرّ أو القمح فى هذا العيد، ليصل إلى أن صاحبته ينبغى أن تتصدق عن نفسها لا بصاع من البر وإنما بصاع من الدّرّ، يريد ثغرها وما فيه من درّ الأسنان. والصورة فى غاية التكلف.
وتكثر مثل هذه الصور منذ مطالع هذا العصر، وكأنما أخذ يعيى الشعراء أن يأتوا بصور طبيعية أو كأنما أحسّوا أن أسلافهم استنفدوها، فأخذوا يحاولون الإتيان بهذه الصور الغربية المبعدة فى الغرابة من مثل قول الباخرزى أيضا لبعض صواحبه:
وأبكى لدرّ الثّغر منك ولى أب ... فكيف يديم الضّحك وهو يتيم
فهو يبكى لأنها لا تنيله شيئا، ويعجب أن يبكى وله أب، بينما ثغرها يضحك، وهو يتيم. والتورية واضحة، فالمعنى المتبادر أنه لا أب لهذا الثغر، وهو يريد أنه منقطع النظير حسنا. والتكلف فى البيت أو قل فى الصورة شديد الوضوح.
[٣ - شعراء الزهد والتصوف]
لا شك فى أن موجة المجون وما اتصل بها من لهو وخمر كانت موجة محدودة، حتى لتكاد تكون قاصرة على البيئات المترفة، أما بيئات الشعب العامة فلم تكن تعرف الترف ولا ما يستتبعه من الخمر والمجون، إنما كانت تعرف قسوة الحياة وشظفها مستعينة عليها بتقوى الله والاستماع إلى الوعاظ فى المساجد بنيسابور وغير نيسابور وما يدعون إليه من الزهد فى الحياة ومتاعها الزائل وانتظار ما عند الله من ثواب ونعيم فى الدار الآخرة. وكان هؤلاء الوعاظ كثيرين كثرة مفرطة، وكانوا يسمّون مجالس وعظهم مجالس التذكير، يذكّرون