للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

همت وجدا من سناه المقتبس ... من سنا الإصباح أو بدر أنار

لاح حين افترّ ثغر كالقبس ... أزهر وضاح أذكى زند نار (١)

والكلمات سلسة حلوة تلذ الألسنة حين تنطق بها والآذان حين تصيخ إليها لرشاقتها من جهة ولما تشتمل عليه من تصاوير ممتعة من جهة ثانية. وله فى مطلع موشحة يصف فيها الربيع:

قد اكتسى العريان ... من مائس الأغصان بالسّندس

وطرّز البستان ... بالورد والرّيحان والنّرجس

هبّت به الأزهار ... بنسمة الأسحار من الوسن

وهاجت الأطيار ... برائق الأشعار أم الحسن

تسبّح الجبّار ... الواحد القهار مولى المنن

والشطور قصيرة وقصرها يزيد سلاسة ألفاظها ونعومتها جمالا وحسنا، ودائما تلقانا فى موشحاته هذه اللغة العذبة المصفاة المنتقاة، إذ كان يعرف كيف ينتخب ألفاظه وكيف يلائم بينها فى الجرس الموسيقى ملاءمات ممتعة.

[(ب) شعراء الأزجال]

الأزجال جمع زجل وهو فى اللغة التطريب وسمى به الأندلسيون الفن الشعرى العامى المقابل للموشحة، وقد نشأ بعدها فى الأندلس بنحو قرنين، حتى إذا كان عصر المرابطين كان الزجل قد استوى على سوقه وأصبح له زجالوه المشهورون كما للموشحات وشاحوها المشهورون، ويبدو أنه دخل المغرب الأقصى مع الموشحات، إذ يذكر صفى الدين الحلى عن أول وشاح مغربى مشهور، وهو ابن غرله، أنه كان ينظم الموشح والزجل كما مر بنا، ويقول عن رميلة محبوبته أخت عبد المؤمن إنها كانت تنظم الزجل، ويذكر لها مطلعا فى زجل نظمته فى ابن غرلة قائلة:

مشى السّهر حيران ... حتى رأى إنسان عينى وقف

ويتحدث ابن خلدون (٢) فى مقدمته عن الزجل فى الأندلس وأعلامه، ويستطرد إلى الحديث عنه فى المغرب الأقصى فيقول إن أهله استحدثوا فنا منه كالموشح نظموا فيه بلغتهم الحضرية (يريد العامية) وسموه عروض البلد ويذكر أن أول من أشاعه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير، وسنفرد له ترجمة، ويقول ابن خلدون إن المغاربة ولعوا به وجعلوه أنواعا، منها المزدوج والملعبة والغزل، ويذكر من كبار زجاليهم ابن شجاع التازى


(١) أزهر: مضئ. وضاح: مشرق. أذكى: أوقد. الزند: الحجر أو العود الذى يقدح به النار.
(٢) مقدمة ابن خلدون (طبع دار المعارف) ص ١٣٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>