وحار مرخّمة أى يا حارث، وهو يشكو من أنه يبيت مسهدا ودموعه تهمى لا تتوقف لسقوط قابس فى أيدى الموحدين وانتهاء حكم دولتهم من بنى جامع الهلاليين، ويقول إنه من الشم العظام الذين شادوا العلا ورفعوها إلى السماء أبناء جامع الهلاليين الذين ملكوا مدينة قابس بسيوفهم الحادة القاطعة تسعين عاما متصلة لم ينازعهم فيها أحد، وأخيرا عبثت بهم أيدى الزمان فأخرجتهم من قابس وتركوها إلى الأبد. ويبكى الدولة الحفصية فى أواخر أيامها وحاضرتها تونس محمد بن عبد السلام وسنخصه بكلمة بعد ابن شرف.
ابن (١) شرف القيروانى
هو أبو عبد الله محمد بن أبى سعيد بن شرف الجذامى الأجدابي المولود بالقيروان حوالى سنة ٣٩٠ ويبدو من نسبته إلى قبيلة جذام أنه من أبنائها إما صليبة وإما ولاء، كما يبدو من تلقيبه بالأجدابى أن أصل أسرته من أجدابية بليبيا ونزلت القيروان وعلى كل حال هو قيروانى المولد والمنشأ والمربى، ويذكر ياقوت فى صدر ترجمته له أنه درس على أبى الحسن القابسى وأبى عمران الفاسى. وكان القابسى شيخا جليلا من شيوخ القيروان فى الفقه والتفسير والحديث، وتوفى سنة ٤٠٣ فلزم تلميذه أبا عمران الفاسى يأخذ عنه ما عنده كما لزم القزاز عالم النحو واللغة بالقيروان فى زمنه وأيضا لزم أبا إسحاق إبراهيم الحصرى المتوفى سنة ٤١٣ صاحب زهر الآداب، وكان حبيبا إلى نفوس شباب القيروان قريبا إلى قلوبهم، فكان يجتمع معهم عنده وينهل من معارفه الأدبية الكثيرة. وتفتحت ملكته الأدبية مبكرة، وألف فى نقد الشعراء منذ الجاهلية مصنفا موجزا وصف كثيرين فيه وصفا مجملا سماه «رسائل الانتقاد» وهو أشبه بمقامة.
ويبدو أنه أخذ يحظى بمكانة مرموقة فى الشعر مما جعله يتعرف على رئيس ديوان الإنشاء للمعز بن باديس الصنهاجى على بن أبى الرجال المتوفى سنة ٤٢٦ هـ/١٠٣٥ م وأعجب بمدائحه فيه، فرأى أن يقدمه إلى المعز، ونال استحسانه، وأصبح من شعراء الدولة يتغنى بانتصاراتها على
(١) انظر ترجمة ابن شرف فى الذخيرة ٤/ ١٦٩ وما بعدها والخريدة ٢/ ٢٢٤ ومعجم الأدباء لياقوت ٢/ ٩٤ والأنموذج ص ٣٤٦ والمجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١٥٠ وابن شرف القيروانى للدكتور طه الحاجرى (طبع بيروت).