للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصراخ ولا مغيث ولا مستجيب خرجوا على وجوههم يعدون حفاة عائذين بربهم من القتل والأسر وما يأتى به الملوان أو الليل والنهار من مصائب ونكبات، ويقول إنهم فروا من الأعراب بكل مولودة ومفطومة وبكل أرملة وكل عفيفة رجاء أن يحموهن من السبى والهوان، وتفرقوا وتشتتوا فى البلاد وتشتت معهم العلماء والشعراء. وكان يعاصره ابن شرف، وله بدوره فى القيروان حينئذ بكاء وتفجع مرير، وسنخصه بكلمة. وممن ندبها وتذكر إخوانه بها وقد رحل عنها إلى الأندلس على الحصرى، وفيها يقول (١):

ألا سقى الله أرض القيروان حيا ... كأنّه عبراتى المستهلاّت

فإنها لدة الجنّات تربتها ... مسكيّة وحصاها جوهريّات

إلا تكن فى رباها روضة أنف ... فإنما أوجه الأحباب روضات (٢)

لا يشمتنّ بها الأعداء أن رزئت ... إن الكسوف له فى الشمس أوقات (٣)

هل مطمع أن تردّ القيروان لنا ... وصبرة والمعلّى فالحنيّات

وهو يدعو للقيروان بالسقيا الوافرة كدموعه الغزيرة التى لا تزال كلما ذكرها استهلت فإنها رفيقة الجنّات، تربتها مسك وحصاها جواهر لامعة، وإلا يكن فى رباها الآن بعد أن خربها بنو سليم وهلال روضة جديدة بديعة فأوجه الأحباب بها روضات فاتنة، ويذكر ما أصاب القيروان من خراب فيقول: لا يشمت بها الأعداء لأن رزئت ونكبت فإن الشمس الساطعة يلم بها الكسوف أحيانا، فهو رزء إلى أجل، وتعود بعده القيروان إلى حضارتها وازدهارها المعهود. ويتمنى أن تعود سريعا إلى أهلها هى وصبرة وغيرهما من المواضع والمدن.

ومرّ بنا أن عبد المؤمن بن على أمير الموحدين استولى على مدينة قابس من يد مدافع بن رشيد الهلالى بعد موقعة هزم فيها مدافع وفر إلى أعراب طرابلس ثم لحق بعبد المؤمن فى مدينة فاس فأكرمه وأسكنه بها، وكان ممن فرّ بعد الموقعة أبو ساكن عامر بن محمد من عشيرة مدافع وأبعد فى فراره حتى دمشق وهناك بكى قابس وأيام حكم عشيرته لها. ومن قوله (٤):

يا حار طرفى غير هاجع ... والدّمع من عينىّ هامع (٥)

إنّي من الشّمّ الألى ... شادوا العلا أبناء جامع

ولقد ملكنا قابسا ... بالمشرفيّات القواطع


(١) الذخيرة ٤/ ٢٧٧
(٢) أنف: مزدهرة جديدة
(٣) رزئت: نزل بها رزء: مصيبة
(٤) الخريدة ١/ ١٣٩ وما بعدها والحلل السندسية ٢/ ٣٥٧ وما بعدها.
(٥) هامع: سائل

<<  <  ج: ص:  >  >>