فقلت: فهل لى فى وصالك مطمع ... فقالت: إذا ما شمسنا طلعت غربا
فقلت: فهل من زورة يجتنى بها ... ثمار المنى ظمآن قد منع الشّربا
فقالت إذا ما غاب عن كلّ مشهد ... وخاض حياض الموت واستسهل الصّعبا
وأصبح فينا حائرا ذا ضلالة ... يواصلنا بعدا ونهجره قربا
وهى محاورة بديعة بينه وبين محبوبته رمز بها إلى حبه الربانى، فمن يحب الذات العلية يفقد قلبه ولا يصبح له مطمع حقيقى فى وصال ولا فى زورة يقتطف فيها ثمار المنى وينهل معها من الماء ما يطفئ ظمأه إلا إن غاب عن كل مشهد فى الوجود واقتحم حياض الرّدى لايبالى، وحتى إن فعل فسيصبح حيران ضالاّ الطريق يواصل من بعيد ويهجر من قريب.
ومن قوله يشكو آلامه وعذابه فى حبه الإلهى.
بقلبى منهم حرق ... لها الأحشاء تحترق
ولا وصل ولا هجر ... ولا نوم ولا أرق
فليتهم وقد قطعوا ... ولم يبقوا علىّ بقوا
فأفنى فى محبّتهم ... وريح محبّتى عبق
كمثل الشّمع يمتع من ... ينادمه ويمّحق
فأحشاؤه تحترق، ولا وصل ولا هجر، ولا يأس ولا طمع، ولا نوم ولا أرق، ولا صبر ولا جزع، وإنه ليكتوى بنيران هذا الحب مؤملا-على طريقة الصوفيين-أن تنمحى حواسّه وأحاسيسه، حتى يفنى فناء مطلقا فى الذات العلية، فناء ينعدم فيه وجوده البشرى انعداما تاما، كما ينعدم الشمع المضيئ، وينمحق انمحاقا خالصا.
الصّرصرىّ (١)
هو جمال الدين أبو زكريا يحيى بن يوسف الصّرصرى، نسبة إلى صرصر: قرية قريبة من بغداد، ولد سنة ٥٨٨ وحفظ القرآن واختلف إلى دروس العلماء والفقهاء والمحدثين، وكان حنبليا، ويصفه ابن تغرى بردى فى كتابه النجوم الزاهرة بالإمام الأديب الربانى، ويقول كان من العلماء الفضلاء الزهاد العبّاد، كانت له اليد الطولى فى النظم وشعره فى غاية الجودة، ويقول الصفدى عنه «صاحب المدائح النبوية السائرة فى الآفاق، ولا أعلم
(١) انظر فى ترجمة الصرصرى ومدائحه النبوية ذيل مرآة الزمان للقطب اليونينى (طبع حيدر آباد) ١/ ٢٥٧ - ٣٣٢ ونكت الهميان للصفدى ص ٣٠٨ والنجوم الزاهرة ٧/ ٦٦ والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب والشذرات ٥/ ٢٨٤.