للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرانى إذا ما الليل جاشت كتائبه ... أبيت وقلبى حائر الفكر ذاهبه

تبيت أفاعى الهم فى غيهب الدّجى ... تساور قلبى بالعنا وتواثبه (١)

ومالى فيما قد دهانى حيلة ... أدارى بها دهرى إذا ازورّ جانبه (٢)

فياربّ يا ذا المنّ والفضل والعطا ... أغثنى فموج الهمّ فاضت غواربه (٣)

وتصوير عبد الصمد الهم بأفاع لا تزال تواثبه طوال الليل تصوير طريف، وشعره فيه سهولة وعذوبة ويجنح كثيرا إلى استخدام ألفاظ اللغة اليومية، ولعل ذلك ما جعله ينظم بعامية موطنه بعض أشعاره، وكان يستخدم الموشحات أحيانا فيجيد فيها لسلاسة ألفاظه وكلماته.

[٤ - شعراء المراثى]

بجانب مجرى المديح الذى كان يتدفق بالشعر من قديم كان يتدفق مجرى الرثاء، فلم يمت حاكم ولا قائد ولا وال ولا قاض فى أقاليم الجزيرة العربية إلا رثاه الشعراء وأبنوه تأبينا يفيض بالأسى والحزن، وكثر فى هذا العصر تأبين الشيوخ والفقهاء والمعلمين، يؤبنهم تلاميذهم وزملاؤهم ويبكون فيهم خصالهم وخسارة العلم والعلماء فيهم، من ذلك تأبين شهاب الدين محمود بن مسكّن القرشى الفهرى لشيخه نجم الدين الطبرى قاضى مكة، وفيه يقول (٤):

ما للجفون بها التّسهيد قد نزلا ... وما لطيب الكرى عن مقلتى رحلا

ما بال قلبى بتذكار الهموم له ... شغل ودمعى إن كففته هملا

نجم أضاء علينا صبح طرّته ... حتى إذا ما انجلت أيامه أفلا

مفتاح كنز علوم الدين كم فتحت ... به بصائر قوم للورى ذللا

ووراء مراثى الشيوخ والعلماء فى الحجاز مراث كثيرة فى أمراء مكة الزيديين حين يلبون نداء ربهم، وبالمثل تلقانا مراث كثيرة للأئمة الزيديين فى اليمن، كما تلقانا مراث أخرى لدعاة النحلة الإسماعيلية الفاطمية من الصليحيين وآل زريع، وسنعرض لها فى حديثنا عن


(١) تساور: توائب.
(٢) ازور: مال وانحرف.
(٣) غواربه: أعاليه.
(٤) العقد الثمين ٣/ ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>