ولم نتحدث عن اليونانية التى كانت معروفة فى الشام قبل الإسلام، وأكبر الظن أنها انحازت إلى الأديرة، وقد رأينا آنفا أن خالد بن يزيد بن معاوية استعان فى علم الصنعة وما ترجم إليه منه براهب رومى، وأكبر الظن أن الرهبان فى دمشق ومدن الشام من أنطاكية إلى غزة كانوا قد أخذوا فى التعرب ليستطيعوا الحديث إلى مسيحيى الشام المستعربين، ولعل فى كل ما تقدم ما يوضح العوامل الكثيرة التى دفعت إلى تعرب الكتلة الكبرى من أهل الشام مسلمين ومسيحيين.
[٢ - كثرة الشعراء]
يلاحظ أن عرب الشام قبل الإسلام لم يكن لهم نشاط يذكر فى تاريخ الشعر العربى لا عند الغساسنة ولا عند غيرهم من القبائل الشامية، حتى إذا كانت الفتوح وهاجر كثيرون من القبائل القيسية مثل عامر وسليم إلى فلسطين وسوريا أخذ الشعر ينشط فى الشام وأخذ الشعراء يتكاثرون وخاصة مع الأحداث الكبرى على نحو ما يلقانا فى المعارك التى نشبت بعد وفاة يزيد بن معاوية وتولّى مروان بن الحكم للخلافة بين القبائل اليمنية وفى مقدمتها قبيلة كلب والقبائل القيسية منذ موقعة مرج راهط وغيرها من المواقع. ونلتقى عقب هذه المواقع بشاعرين كبيرين للشام هما عدى بن الرّقاع العاملى اليمنى والطرماح الطائى اليمنى، أما عدى بن الرقاع فشاعر عبد الملك بن مروان والخلفاء من بعده، وله ترجمة فى كتابنا العصر الإسلامى بين شعراء بنى أمية، وأما الطرماح فنشأ فى الشام ونزل الكوفة مع بعض جيوشها واستقر بها، واعتنق فيها مذهب الصفرية من الخوارج، وله ترجمة فى كتابنا المذكور بين شعراء الخوارج.
وكانت الشام طوال عصر بنى أمية تغصّ بشعراء الحجاز ونجد والعراق الوافدين على الخلفاء لمديحهم وأخذ نوالهم وعطائهم. وما نبغ شاعر واشتهر فى هذه البيئات إلا رحل إلى دمشق يمدح هذا الخليفة أوذاك، والخلفاء يغدقون على الشعراء جوائزهم وصلاتهم على نحو ما هو معروف عن شعراء العراق: الفرزدق والأخطل وجرير وعبد الله بن الزّبيروذى الرّمّة والعجّاج وابنه رؤبة. ومثلهم من شعراء الحجاز كثيّر والأحوص وابن قيس الرقيات. ومدحهم من شعراء نجد كثيرون فى مقدمتهم الراعى النّميرى. وكان الأمويون يعدّونهم ألسنتهم ودعاتهم فى بيئاتهم، فأجزلوا لهم فى العطاء، وكانوا ما يزالون غادين عليهم رائحين بقصائد طنانة يرويها الرواة فى كل مكان بالشام وغير الشام.