للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتنقوا الإسلام بعد الفتح مباشرة الخبر الذى مر بنا فى الفصل الماضى عن أبى الدرداء قاضى دمشق المتوفى سنة ٣٢ للهجرة أن عدد من كان يشرف عليهم يوميا فى تلاوة القرآن بمسجد دمشق ألف وستمائة ونيف، وكان وراءهم آلاف مستعربون لا يحتاجون إلى من يعلمهم تلاوة القرآن الكريم.

ونظن ظنا أن الاستعراب فى الشام أصبح أمنية أهلها جميعا: من أسلم منهم ومن ظل على دينه المسيحى لسببين مهمين: أولا لتفوق العربية على الآوامية التى كانت شائعة على الألسنة، إذ لم يكن لها تراث أدبى كالعربية، ولا كان لها جمالها فى الجرس وحسن الإيقاع، وثانيا لأن الدولة الأموية اتخذت دمشق عاصمة لها واستعانت بكثير من أهلها المسيحيين فى الإدارة وشئون الخراج والمال، فأكبّ كثير من المسيحيين على العربية يحاولون أن يتعلموها وأن يتقنوا الأداء بها حديثا وكتابة. وينبغى أن لا ننسى ما كان قد حدث من استعراب هذه العناصر المسيحية قبل الإسلام وخاصة بين التجار ورجال الكنيسة اليعقوبية.

وربما كان من أكبر الأدلة على ما كان قد حدث من استعراب كثيرين من أهل الشام الأصليين قبل الإسلام أننا نجد أسرة مسيحية مستعربة تعمل مع معاوية وخلفائه الأمويين فى إدارة الشئون المالية، ونقصد أسرة سرجيوس (وفى بعض المصادر سرجون) ويظن أنه كان حاكما لدمشق قبل الفتح العربى الإسلامى واتخذه معاوية مستشارا له فى الشئون المالية مع بقائه معتنقا لدينه المسيحى، وكان حفيده يوحنا الدمشقى يشرف على الشئون المالية بدوره لعهد عبد الملك بن مروان، وما زالت هذه الأسرة المسيحية تعاون الخلفاء فى شئون المال والخراج حتى أمر الوليد بن عبد الملك بتعريب الدواوين كما هو معروف.

ومن أكبر الأدلة أيضا على استعراب العناصر المسيحية أننا نجد نفرا منهم يعنى بترجمته ترجمة مبكرة لبعض العلوم اليونانية، على نحو ما ذكر صاحب الفهرست عن خالد بن يزيد بن معاوية من أنه ترجمت له كتب الطب والنجوم والكيمياء (١). ولا شك فى أن هؤلاء المترجمين كانوا مستعربين، بل كانوا يحذقون العربية حتى استطاعوا أن ينقلوا منها لخالد بن يزيد ما نقلوه من المعارف المتصلة بتلك العلوم. ويسمى ابن خلكان فى ترجمته لخالد أحد أولئك المترجمين وهو مريانوس الراهب الرومى الذى أخذ عنه خالد علم الكيمياء أو كما كانوا يسمونه علم الصنعة.

ويقول ابن خلكان إن لخالد فيها ثلاث رسائل تضمنت إحداهن ماجرى له مع مريانوس الراهب المذكور وصورة تعلمه منه والرموز التى أشار إليها (٢).


(١) الفهرست لابن النديم (طبعة القاهرة) ص ٣٣٨
(٢) انظر ترجمة خالد فى ابن خلكان ٢/ ٢٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>