للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلهو معه غير آبهة بكلام المعجبين النمّامين، ويقول إن من يرنو إليها طويلا يشعر كأنما قبس من جمالها المضيئ ما يفوق قبس النار حسنا وجمالا بل لو رآها رجال النسوة اللائى قطعن أيديهن حين أبصروا جمال يوسف لقطعوا قلوبهم افتتانا بها. ويقول:

غرّاء لا يرقب الراءون وجنتها ... إلا ثنى النور منهم حدّة النّظر

لم تدر هل هى من شذر مركّبة ... أم من صريف لجين أم سنا قمر (١)

كلّ تلابس إلا أن يميّزها ... من ذا ومن ذين وسم الدّلّ والخفر

فهى بيضاء لا يرمق المبصرون وجنتها النيّرة إلا صرف نورها حدة النظر إليها لشدة سطوعه كسطوع ضوء الشمس. ويقول إن مبصرها لا يدرى هل هى مركبة من قطع ذهب أم من قطع فضة أم من ضوء قمر، وكأنما كل ذلك يلتبس بها إلا ما تتميز به من الدلال والحياء اللذين يزيدانها حسنا وبهاء.

محمد (٢) بن الطلبة اليعقوبى

عشيرة اليعقوبيين أو قبيلتهم فى شنقيط ومراعى تيرس وريفها من سلالة عون بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، وامتاز اليعقوبيون بالتعمق فى العلوم الفقهية واللغوية، وكانت لهم مدرسة تعنى بتدريس هذه العلوم، فتوارثوا التدريس فيها كما توارثوا القضاء، وكان أبو الشاعر وجده مدرسين، فهو من بيت علم، وعنى أبوه بتربيته، وكان يدرس للطلاب حينئذ المعلقات السبع ودواوين الشعراء الستة: امرئ القيس وزهير والنابغة وطرفة وعنترة وعلقمة، وديوان ذى الرمة. وأضاف إلى ذلك الطلاب النابهون من أمثال محمد بن الطلبة ديوان الشماخ والأعشى وغيرهما من القدماء. وتمثل ابن الطلبة الشعر الجاهلى والإسلامى تمثلا لا نكاد نجد له نظيرا بين شعراء البلاد المغربية على الأقل إن لم يكن بين شعراء العربية عامة، وتقرؤه وكأنك تقرأ لشعراء الجاهلية المفرطين فى استخدام الألفاظ الغريبة من مثل الحارث بن حلّزة والشماخ وأضرابهما من الجاهليين. وهيّأ لذلك عند محمد بن الطلبة وغيره من شعراء موريتانيا أن بيئتها كانت تشبه البيئة الجاهلية بصحاريها وبقبائلها الرّحّل وراء المراعى ومساقط الغيث، وبإبلها وأنعامها الراعية وبآبارها الآجنة وفى كل بقعة فى المراعى نجد أطلالا وآثارا لمن أقاموا بها فترة ثم زايلوها. وكما يكثر الشاعر الجاهلى من قطع المفاوز على ناقته كذلك يكثر الشاعر الموريتانى مستمدا من واقع حياته الذى لا يختلف عن واقع حياة الجاهليين، وكاد محمد بن الطلبة لا يترك موضعا


(١) شذر: قطع الذهب. صريف لجين: قطع فضه. سنا: ضوء.
(٢) انظر فى ترجمة محمد بن الطلبة الشنقيطى ص ٩٤ وقد أنشد فى كتابه معارضاته جميعا وكثيرا من شعره، وراجع الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٩٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>