للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدموع الغزيرة، لقد كان فى حلم غمره وملأ عليه فؤاده، وأفاق منه على فراق أحبابه، وإنه ليعلن إن كانوا قد رحلوا وبعدوا عن مرأى عينه فسيظل وفيا للعهد، وسيظلون يحلّون فى سويداء قلبه. ويفضى إلى اليأس قائلا: ما ضرهم لو أذاقوه وصلهم وجعلوه ينعم به مرارا. ومع ذلك فسيظل يذكرهم بل سيظل حبهم فى قلبه قويا حارا. وله وراء ذلك أشعار مختلفة فى مديح إمامه أحمد بن حنبل وأصحابه. توفى ببغداد سنة ٥٠٠ للهجرة.

المرتضى الشّهر زورىّ (١)

هو أبو محمد عبد الله بن القاسم بن المظفّر الشهرزورى الملقب بالمرتضى، ولد بالموصل سنة ٤٦٥ وتوفى بها سنة ٥١١ فى أرجح الأقوال، أقام ببغداد مدة يشتغل بالحديث والفقه، ورجع إلى الموصل وتولى بها القضاء بجانب ما كان ينهض به من الوعظ والتذكير. وكان صالحا تقيا ناسكا متعبدا، ولم يلبس خرقة الصوفية ولا لزم رباطا من ربطهم، ومع ذلك كان صوفيا كبيرا، صوفيا سنيا، يدل على ذلك أكبر الدلالة ما تبقى من أشعاره واحتفظت به الخريدة للعماد ووفيات الأعيان لابن خلكان، وروى له الأخير قصيدة صوفية رائعة، يقول فى تضاعيفها:

لمعت نارهم وقد عسعس اللّي‍ ... ل وملّ الحادى وحار الدليل (٢)

فتأملتها وقلت لصحبى ... هذه النار نار ليلى فميلوا

وهى تعلو ونحن ندنو إلى أن ... حجزت دونها طلول محول (٣)

فدنونا من الطلول فحالت ... زفرات من دونها وغليل

قلت: من بالديار؟ قالوا جريح ... وأسير مكبّل وقتيل (٤)

فحططنا إلى منازل قوم ... صرعتهم قبل المذاق الشّمول (٥)

قلت: أهل الهوى سلام عليكم ... لى فؤاد عنكم بكم مشغول

جئت كى أصطلى فهل لى إلى نا ... ركم هذه الغداة سبيل

إنه لا يزال ساريا طوال الليالى يبحث عن نار الذات الإلهية، أو قل إنه يتخذ النار رمزا للمنازل على عادة الشعراء الغزلين، ويراها من بعيد فى الظلام الدامس وقد كلّ الحادى


(١) انظر فى ترجمة المرتضى وأشعاره الخريدة (قسم الشام) ٢/ ٣٠٨ وابن خلكان ٣/ ٤٩ والشذرات ٤/ ١٢٤ ومرآة الزمان ٨/ ١٢١ والنجوم الزاهرة ٥/ ٢٣١.
(٢) عسعس: أظلم.
(٣) محول: مجدبة.
(٤) مكبل: مقيد.
(٥) الشمول: الخمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>