للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - كثرة الشعراء]

راجت سوق الشعر العربى بإيران فى القرن الرابع الهجرى رواجا عظيما، وكان من العوامل التى أدت إلى هذا الرواج اهتمام ملوك البويهيين ووزرائهم بالشعر وأصحابه، وفى مقدمتهم عضد الدولة، وكان ينظم شعرا حسنا، كما كان يؤثر مجالسة الأدباء على منادمة الأمراء، كما يقول صاحب اليتيمة، وقد أنشد له أبياتا طريفة فى الشراب والطرب من مثل قوله (١):

ليس شرب الكأس إلا فى المطر ... وغناء من جوار فى السّحر

وكان الشعراء يفدون عليه ويجزل لهم فى صلاتهم ومكافآتهم، غير من كان يفرض لهم الرواتب الحسنة. وقد استحال مجلس وزيره ابن العميد إلى ما يشبه ندوة أدبية كبيرة، فكان الشعراء يروحون ويغدون على مجلسه، وكثيرا ما كان يطلب إليهم أن يعارضوا بيتا يلقيه، أو يصفوا شيئا عرض لهم، ونضرب لذلك مثالا: أن بعض الوافدين حيّاه بأترجّة حسنة، فطلب إلى من حضره من الشعراء أن يتجاذبوا وصفها (٢)، وابتدأ بقوله: «وأترجّة فيها طبائع أربع» فقال أبو محمد بن هندو:

«وفيها فنون اللهو للشّرب أجمع» فقال أبو القاسم: «يشّبهها الرائى سبيكة عسجد» فقال أبو الحسين بن فارس: «على أنها من فأرة المسك أضوع» فقال أبو عبد الله الطبرى: «وما اصفّر منها اللون للعشق والهوى» فقال أبو الحسن البديهى: «ولكن أراها للمحبين تجمع». وبذلك تكوّنت ستة شطور أو بعبارة أدق ثلاثة أبيات على البديهة ارتجالا. وكانت تكثر هذه المقارضات فى مجالس الوزراء وغيرهم من المتأدّبين، ولعل مجلسا لم يبلغ منها ما بلغه مجلس الصاحب بن عباد إذ يقول الثعالبى فى كتابه اليتيمة: «احتفّ به من نجوم الأرض وأفراد العصر» وأبناء الفضل وفرسان الشعر، من يربى عددهم على شعراء الرشيد ولا يقصّرون عنهم فى الأخذ برقاب القوافى وملك رقّ المعانى، فإنه لم يجتمع بباب أحد من الخلفاء والملوك مثل ما اجتمع بباب الرشيد من فحولة الشعراء المذكورين كأبى نواس وأبى العتاهية والعتّابى والنّمرى ومسلم بن الوليد وأبى الشّيص ومروان بن أبى حفصة ومحمد بن


(١) اليتيمة ٢/ ٢١٨.
(٢) اليتيمة ٣/ ١٧٦ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>