من فنون البديع، ونراه فى كل فن يذكر أمثلة من الشعر العربى وأمثلة أخرى من الشعر الفارسى تحاكيها جرت على ألسنة الرودكى والعنصرى والفرّخى والعسجدى ومنوجهرى والمنطقى وأضرابهم، وكان شعراء الفرس لم يتركوا لشعراء العربية فنا إلا حاكوه فيه، مهما يكن معقدا أو شديد التكلف، فمن ذلك تقليدهم «لزوم ما لا يلزم» فى القافية بحيث يلتزم فيها الشاعر حرفا قبل حرف الروى، وتقليدهم الأبيات التى يمكن بحذف أجزاء أخيرة منها أن تقرأ على وزنين، ومن ذلك المقطّع وهو أن يورد الشاعر بيتا لا تتصل حروف كلماته فى الكتابة، والموصّل وهو أن يقول الشاعر بيتا لا تقبل كلماته التقطيع فى الكتابة، والأرقط وهو البيت الذى يتوالى فيه حرف منقوط وحرف غير منقوط بالتعاقب، والأخيف وهو الذى تتوالى الكلمات فيه كلمة منقوطة وكلمة غير منقوطة. وقد أنشدنا أمثلة من هذه الصور المتكلفة فى قسم العراق ومن ذلك استخدامهم كثيرا اللغز، والتضمين، والتقسيم، وحسن التعليل، والمثل.
ولعل فى هذا ما يوضح كيف أن الشعر الفارسى كان يتبع خطوات الشعر العربى الماضى والمعاصر له خطوة خطوة، يتبعه فى الصياغة والسمات ويحاكيه محاكاة دقيقة وكان الشعر العربى هو الأكثر شيوعا، وهو الذى يدور على كل لسان، أما فى القرون الرابع والخامس والسادس فليس فى ذلك شك، حتى لنرى كثيرين ممن كانوا ينظمون بالعربية والفارسية من الشعراء إنما يشتهرون بشعرهم العربى، مثل بديع الزمان الهمذانى إذ تروى له بعض أبيات فارسية بينما له ديوان بالعربية، وبالمثل أبو الفتح البستى، إذ يقول الرواة إنه كان ينظم بالفارسية. ولكن هذا النظم ضاع، وبقى له ديوانه العربى، ومثلهما الباخرزى ضاع شعره الفارسى إلا ما احتفظ به محمد عوفى فى كتابه اللباب، وظل ديوانه العربى تتناقله الأجيال حينا من الدهر. ومنذ حروب المغول وتخريبهم لإيران انعكست الحال، فكثر من ينظمون بالفارسية، وأصبح المعوّل فى شهرة الشاعر على ما ينظمه بتلك اللغة، كما هو الشأن فى سعدى الشيرازى الذى مرّ بنا حديث عنه، أما قبل ذلك فكان الشعر العربى هو الأكثر ذيوعا، وكأنه العملة الشعبية المتداولة فى بيئات المثقفين جميعا، فالفلاسفة والعلماء ينظمونه كما ينظمه الكتاب، غير من كان ينظمه من الشعراء، ويعدّون بالمئات.