الحكم ومطامعه، ولو أنصفت الأمة لأخذت بنظرية الخوارج فأحقّ الناس بحكمها أصلحهم سواء أكان من البيت الهاشمى أو من البيت الأموى أو من أى بيت من بيوت العامة، فخير الأمة أنفعهم لإدارة شئونها ولو كان أبوه نجارا أو حدّادا أو راعيا من الرعاة. ومن الغريب أنهم أهملوا التفكير فى المصلحة العامة للشعب وما ينبغى أن يسوده من عدالة اجتماعية ومضوا يفكرون فى الخلافة ومن أحقّ بها من سواه، وكأنما انقلبت الوسيلة غاية، تسفك من أجلها الدماء.
وفى كل الأحداث التى قدمناها سواء منها ما يتصل بالشيعة والخوارج وثوراتهما وما يتصل بأشراف العرب وثوراتهم على الأمويين تروى كتب التاريخ أشعارا كثيرة، إذ كان الشعر يجرى على كل لسان، واتخذه الأمويون وخصومهم أداة للتعبير عن آرائهم السياسية المختلفة.
[٤ - الحضارة]
رأينا فى الفصل السابق كيف أن المدينة ومكة غرقتا فى نعيم الحضارة، بما صبّ فيهما من أموال ورقيق أجنبى وجوار وإماء. وبمجرد أن هاجر العرب من الجزيرة ومصّروا الأمصار ونزلوا فى بلدان الأمم المفتوحة أخذوا يتأثرون تأثرا واسعا بالحضارات الأجنبية، إذ كانت تحت أعينهم، وكانت حجورهم تمتلئ بأموال الفيئ وغنائم الحرب وما رسم لهم فى دواوين الدولة من رواتب ثابتة. وسرعان ما تحضروا، بل سرعان ما أترفوا، إذ ابتنوا القصور، وطعموا فى أوانى الذهب والفضة مختلف الأطعمة، ولبسوا الثياب الحريرية المزركشة، وتعطّروا بالمسك وغيره من أنواع الطّيب. وكان الموالى من ورائهم يهيّئون لهم جميع الأسباب لينعموا بكل ألوان الترف، إذ اكتظّت بهم قصورهم، يقول ابن خلدون:
«لما ملك العرب فارس والروم استخدموا بناتهم وأبناءهم، ولم يكونوا لذلك العهد فى شئ من الحضارة، فقد حكى أنه قدّم لهم المرقّق فكانوا يحسبونه رقاعا، وعثروا