للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا المنصب الأعلى على كل منصب ... لنا العزّة القعساء والغرر الغرّ (١)

لنا الهضبة الشّمّاء سامية الذّرى ... لنا الرّاية الحمراء يهفو بها النّصر (٢)

مكارم أعيت كلّ من رام حصرها ... وهيهات ما للشّهب فى أفقها حصر

وهو يفتخر بأنه سليل أصحاب الحول والطّول من حمير، إذ أصل الأنصار من اليمن، وأن لهم المنصب أو المقام الرفيع والعزة الوطيدة والأعمال العظيمة المشهورة والهضبة الضاربة فى السماء التى لا يمكن لأحد بلوغ ذراها السامقة والراية الحمراء رمز إمارتهم وانتصاراتها الماحقة، وهى مكارم يعزّ حصرها، وهل يمكن أن تحصر أو تحصى الشهب والنجوم فى السماء. ووراء ما اخترناه ليوسف الثالث من أشعار فى الفخر والحماسة أشعار ذات نسيج ضعيف، وهى طبيعية ممن ينشأ مثله فى الملك والترف والنعيم.

[(ب) شعراء الهجاء]

الهجاء قديم فى الشعر العربى، ومرّ بنا-فى كتابنا عن العصر الجاهلى-أنه كان فى الأصل لعنات يصبها الأفراد على أعدائهم وأعداء قبائلهم آملين أن تنزلها بهم المقادير، وأخذ يتحول من لعنات خالصة إلى سباب وتهوين للمهجوّين على ألسنة شعراء الجاهلية، ومضوا يتقاذفونه ويسلّونه كما يسلون سيوفهم فى حروبهم، وبقيت منه بقايا غير قليلة فى الإسلام بين شعراء المدينة ومكة لعهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولم يلبث أن احتدم بالعراق فى العصر الأموى ونشأت عنه مناظرات هجاء حادة بين جرير والفرزدق سمّيت بالنقائض. وظل التهاجى مضطرما بين الشعراء فى العصر العباسى، وسقطت منه شعل كثيرة إلى الأقاليم، وبمجرد أن نشط الشعر فى الأندلس لعهد عبد الرحمن الأوسط (٢٠٦ - ٢٣٨ هـ‍) نشط الهجاء وأخذ شعراؤه يتكاثرون، وفى مقدمتهم يحيى الغزال، وسنخصه بكلمة، ومن هؤلاء الهجائين المبكرين عبد الله (٣) بن الشّمر المتفنن فى العلوم منجم الأمير عبد الرحمن الأوسط، ويذكر ابن حيان (٤) عن قاض اسمه يخامر بن عثمان كانت فيه غفلة أن ابن الشمر استغلّ ذلك يوما-وهو فى مجلس القضاء-فألقى بين البطاقات التى كان ينادى بها الخصوم للتقدم إليه بطاقة مكتوبا عليها: يونس بن متى،


(١) القعساء: الوطيدة. الغرر: الأعمال العظيمة. الغر: المشهورة.
(٢) الشماء: السامقة: يهفو: يخفق.
(٣) مرت مصادر ابن الشمر فى الحديث عن علوم الأوائل فى الفصل الثانى.
(٤) المقتبس (تحقيق د. مكى-طبع بيروت). ص ٦٥ - ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>