الإسلام فى المساواة التامة بين العرب والموالى المسلمين بربرا وغير بربر فلا فرق بين عربى وبربرى فى جميع الحقوق حتى فى قيادة الجيوش. وساد الأمن والنظام المغرب جميعه. واتجه إلى عمارة البلاد فجدّد بناء الجامع الأعظم بالقيروان، ورأى بثاقب بصيرته ضرورة أن يكون لإفريقية التونسية ميناء بدلا من قرطاجة، ولم يلبث أن اختار للميناء موضعا بجوار قرية تسمى تينس أو ترشيش، وشق إلى البحر المتوسط قناة تدخل إليها السفن وتخرج منها وألحق بالميناء دار صناعة كبرى لإنشاء أسطول ضخم يحمى شواطئ الديار الإفريقية من غارات الروم، وجلب من مصر ألف أسرة قبطية لمساعدته فى إنشاء تلك الدار والأسطول، وسمّى الميناء تونس، ولم تلبث تونس أن أصبحت أما كبيرة من أمهات المدن المغربية إلى اليوم، وبنى بها الجامع الكبير المسمى جامع الزيتونة لزيتونة كانت فيه. واستحدث حسان للولاية تنظيما إداريا وماليا عمّمه فى جميع البلاد المغربية، ونشر العربية فى المغرب وجعلها اللغة الرسمية فى جميع الدواوين، ونظم الجبايات فى المدن ومع رؤساء القبائل، وقسم الأراضى التى كانت ملكا للدولة البيزنطية بين صغار الفلاحين من البربر، مما جعلهم يدخلون فى دين الله أفواجا نصرة للدين الحنيف. وبكل ما قدمت عن حسان بن النعمان تعد ولايته على إفريقية خاتمة الفتح الذى بدأه عمرو بن العاص سنة ٢٢ هـ/٦٤٢ م فقد استقر الدين الحنيف فى جميع البلدان المغربية واعتنقه المغاربة، لما تحمل تعاليمه من المساواة التامة بين جميع المسلمين عربا وبربرا وغير بربر.
[(ب) بقية الولاة]
ويخلف حسّان بن النعمان على المغرب موسى بن نصير سنة ٨٦ هـ/٧٠٥ م وكان ماهرا فى الإدارة وشئون الحرب وبدأ أعماله بتوجيه حملة إلى جبل زغوان-وأتبعها بحملات أخرى عادت بغنائم وافرة، ثم قام بحملته الكبرى التى اكتسحت المغرب حتى طنجة على المحيط وإقليم السوس فى أقصى الجنوب. وأتم التنظيمات الإدارية لبلاد المغرب، إذ قسّمه ولايات، وجعل لكل ولاية قاعدة عربية يحكمها أحد ولاته، فالمغرب الأقصى عاصمته طنجة، والمغرب الأوسط عاصمته تلمسان، والمغرب الأدنى عاصمته القيروان، ومدّه شرقا حتى شمل طرابلس وغربا حتى شمل نوميديا (قسنطينة وبجاية) وإقليم الزاب إلى نهر شلف فى الجزائر، وجعل برقة ولاية قائمة بنفسها وعاصمتها برقة (المرج منذ القرن السابع الهجرى) وأضاف إلى هذه الولايات ولاية جنوبىّ المغرب الأقصى، هى ولاية السوس الداخلة فى الصحراء، وجعل عاصمتها سجلماسة، وولّى عليها طارق بن زياد النفزاوى البربرى، ثم نقله إلى طنجة.
وفى سنة ٩١ هـ/٧٠٩ م عزم على غزو إيبيريا، فأرسل إليها حملة استطلاعية بقيادة طريف، وهو أيضا بربرى، فنزل بإيبيريا فى موضع يقابل مدينة طنجة، سمّى جزيرة طريف لنزوله فيه، وعاد يحمل إلى موسى أنباء طيبة، فأرسل فى السنة التالية طارقا على رأس حملة كبيرة، وجاءته أنباء