فتوحاته، واستمدّه طارق، فذهب إليه على رأس حملة جديدة أتم بها معه فتح الأندلس.
والحملتان الأوليان كانتا تتكونان من العرب والبربر، ونفس قائديهما: طارق وطريف كانا-كما أسلفنا-بربريين وبذلك خطا بسياسة حسان خطوات، فجعل من البربر ولاة وقوادا للجيوش. ومنذ عقبة بن نافع كان البربر يشتركون مع العرب فى حملاتهم الحربية وجهادهم فى سبيل الله، مما يدل-بوضوح-على تغلغل الإسلام فى نفوسهم، حتى أصبحوا سريعا من دعاته وحماته، وكانت كثرة جند موسى بن نصير منهم سواء فى فتوحه لبقية المغرب حتى ديار السوس أو فى فتوحه لإيبيريا.
ويعزل سليمان بن عبد الملك قصير النظر موسى بن نصير عن إيبيريا والمغرب جميعا سنة ٩٦ هـ/٧١٤ م ويصبح صولجان الخلافة بيد عمر بن عبد العزيز سنة ٩٩ هـ/٧١٧ م فيدخل إصلاحا كبيرا على أداة الحكم فى الدولة إذ يأمر الولاة بالتسوية المطلقة بين العرب والموالى أو الشعوب المفتوحة فى الخراج وجباية الأموال أخذا بتعاليم الدين الحنيف، ويرسل إلى إفريقية عشرة من الفقهاء على رأسهم إسماعيل بن عبد الله بن أبى المهاجر ويقال إنه أسند إليه الولاية، وكلّفهم أن يعملوا على نشر الإسلام، وأسلم على أيديهم أفواج بربرية لا تكاد تحصى فضلا عن أنهم بثوا فى الشباب فكرة التفقه فى الدين، مما أعد أهل إفريقية التونسية والمغرب ليشاركوا سريعا فى الدراسات الدينية.
ولا نكاد نمضى فى القرن الثانى الهجرى حتى يتوفى الخليفة العظيم عمر بن عبد العزيز، ويتولى بعده الخليفة الطائش يزيد بن عبد الملك، فيعزل ابن أبى المهاجر عن إفريقية ويولّى عليها عاملا ظلوما غشوما هو يزيد بن أبى مسلم صاحب شرطة الحجاج، فقدم إلى القيروان سنة ١٠٢ هـ/٧٢٠ م وسرعان ما أخذ البربر بسياسة الحجاج فى ظلم موالى السواد فى العراق والتفريق بينهم وبين العرب فى الخراج، مما يتعارض تعارضا شديدا مع تعاليم الإسلام فى رفع الفروق بين المسلمين عربا وموالى، وكأنما عمى يزيد ابن أبى مسلم عن رؤية الفروق الواضحة بين الموالى الفلاحين فى سواد دجلة والفرات من جهة والبربر من جهة ثانية، فإن البربر قبل ولايته كانوا قد أصبحوا مع العرب رفقاء سلاح وجهاد، وأتموا معهم فتح بقية البلاد المغربية وإيبيريا، مما جعل البربر-حين طفح الكيل-يجمعون على قتل يزيد بن أبى مسلم الباغى وقتلوه سنة ١٠٣ هـ/٧٢١ م وتولّى بعده بشر بن صفوان الكلبى، ويذكر له أنه غزا صقلية سنة ١٠٧ هـ/٧٢٥ م وأصاب منها غنائم وافرة، وولّى بعده هشام بن عبد الملك عبيدة بن عبد الرحمن السلمى وأساء السيرة، فعزله وولاّها سنة ١١٤ سفيها كبيرا هو عبيد الله بن الحبحاب، ويذكر له أنه جدد جامع الزيتونة وعنى بدار الصناعة وغزا أسطوله صقلية، غير أنه كان باغيا طاغيا هو وعماله، فتعسفوا فى جمع الخراج وجباية الأموال من البربر، وبلغ من سفه