ينعطف. وكان الشعراء يغارون على صواحبهم، ويذكرون ذلك فى أشعارهم، أما عبد المحسن فيقول:
تعلّقته سكران من خمرة الصّبا ... به غفلة عن لوعتى ولهيبى
وشاركنى فى حبّه كلّ أغيد ... يشاركنى فى مهجتى بنصيب
فلا تلزمونى غيرة ما عرفتها ... فإن حبيبى من أحبّ حبيبى
وهو فى ذلك رقيق منتهى الرقة، فهو لا يغار ممن يحب حبيبه ولا يكرهه أو يمقته، بل أعجب العجب أنه يحبه، وهى مبالغة مفرطة فى الرقة ورهافة الشعور.
ابن (١) منير
هو أحمد بن منير الطرابلسىّ، ولد فى طرابلس سنة ٤٧٣ لأب كان ينشد الأشعار ويغنى فى أسواقها، وأخذ ابنه فى نشأته بالتعليم فحفظ مثل لداته القرآن الكريم، وتعلم اللغة والأدب وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة، وقدم دمشق وسكنها. ويقول العماد الأصبهانى كان شيعيا غاليا، ويقول ابن خلكان:«كان رافضيا». وكان هجاء خبيث اللسان، وكثر هجاؤه فسجنه بورى بن طغتكين صاحب دمشق (٥٢٢ - ٥٢٥ هـ.) وعزم على قطع لسانه، وشفع فيه الحاجب يوسف بن فيروز، فأطلقه بورى على أن يغادر دمشق، ورجع إليها بعد وفاته. غير أن حكامها بعد بورى ظلوا ينفونه مرارا، مما جعله ينزل فى بلدان شامية متعددة وخاصة حماة وشيزر ومدح كثيرين من حكام البلدان الشامية وخاصة أمراء شيزر، وكان فى أثناء مقامه بتلك المدينة يتردد على حلب. وتغنى طويلا بانتصارات عماد الدين زنكى على الصليبيين فى بادين وغيرها من ساحات الحرب فى الشام. وجلجل بصوته حين فتح مدينة الرّها وأزال منها إلى غير رجعة إحدى الممالك التى أسّسها حملة الصليب. وأقام ابن منير حينئذ بحلب، ونشأت بينه وبين ابن القيسرانى-بسبب المنافسة-معركة هجاء حامية الوطيس. وتوثقت العلاقة بينه وبين نور الدين بعد وفاة أبيه زنكى، وأشاد ببطولته وانتصاراته على حملة الصليب، وكان يصحبه فى غزواته، واتخذه نور الدين سفيرا إلى حاكم دمشق فى بعض المهام، ولم يلبث أن توفى بحلب سنة ٥٤٨.
(١) انظر فى ابن منير وشعره الخريدة (قسم الشام) ١/ ٧٦ وابن خلكان ١/ ١٥٦ وابن القلانسى ٣٢٢ والنجوم الزاهرة ٥/ ٢٩٩ وشذرات الذهب ٤/ ١٤٦.