ولو أنه ألقى رغيفا عليها ناسيا لا ستترت الشمس حتى القيامة كسوفا وخجلا أن يرى شبيهها على سفرته أو مائدته. وحرىّ بنا أن نترجم لنفر من شعراء الفخر والهجاء.
أبو فراس (١) الحمدانى
هو الحارث بن سعيد بن حمدان الحمدانى التغلبى، كان أبوه واليا على الموصل للخليفة الراضى، وكان مشهورا مثل إخوته وأبناء أسرته بالفروسية والشجاعة، واقترن برومية أنجب منها ابنه الحارث سنة ٣٢٠ ولقبه أبا فراس وهى كنية الأسد رمزا لفروسيته المستقبلة وهو رمز حققته الأيام. ولم يلبث سعيد أن قتل غدرا وابنه يخطو فى سنته الثالثة، وعنيت به أمه، وأحضرت له المعلمين فى صباه. ولم يلبث ابن عمه وزوج أخته سيف الدولة الحمدانى أن اشترك مع الأم فى العناية والرعاية، حتى إذا اقتطع لنفسه حلب وبعض ثغور الشام انتقل إليها ومعه أسرته سنة ٣٣٣ ومعه أبو فراس الذى كفله وقام على تربيته فارسا وأديبا خير قيام، إذ أعطاه لبعض المدربين يدرّبونه على الفروسية، ولبعض المعلمين والمؤدبين من مثل ابن خالويه. وسرعان ما ظهرت فروسيته ونجابته، فمنحه ضيعة بمنبج بلدة بقرب حلب، ولم يلبث أن ولاه عليها وهو شاب فى السادسة عشرة من عمره، وكان يلزم ابن عمه فى حروبه للروم وقد يسوق إليهم فيالق يقودها بنفسه ويعود إلى منبج، مفضيا أحيانا إلى الصيد وبعض اللهو، وفى ديوانه مزدوجة طردية. غير أن من الحق أنه لم يكن مشغوفا بصيد الحيوان إنما كان مشغوفا بصيد أعداء العروبة والإسلام من الروم. ومرّ بنا فى حديثنا عن شعراء التشيع أنه كان شيعى الهوى، وقد عرضنا لميميته الملقبة بالشافية التى دافع فيها عن العلويين ضد العباسيين دفاعا حارّا، وتشيّع الحمدانيين عامة مشهور وكانوا شيعة إمامية.
وظل يركب فى مقدمة الصفوف مع ابن عمه وصهره لدقّ أعناق الروم، وحاول أن يستخلفه عنه بحلب فى إحدى غزواته، فاستعطفه راجيا أن يصحبه فى حربه. وكان دائما يبلى بلاء حسنا فى تقتيلهم وتمزيقهم شر ممزق، وفى يوم من أيام شوال سنة ٣٥١ كان عائدا إلى منبج من الصيد مع
(١) انظر فى أبى فراس وشعره اليتيمة ١/ ٣٥ وما بعدها وتهذيب ابن عساكر ٣/ ٤٣٩ وزبدة الحلب ١/ ١٥٧ وابن خلكان ٢/ ٥٨ والشذرات ٣/ ٢٤ وتاريخ الأدب العربى لبروكلمان ٢/ ٩٢ ومقدمة د. سامى الدهان لتحقيقه لديوانه وقد قابله على ٤٠ مخطوطة محفوظة فى مكتبات العالمين العربى والغربى ووضع حواشيه ورتب فهارسه.