غلمانه وإذا بكتيبة من الروم بقيادة «تيودور» تباغته فيدافع إلى أن تثخنه الجراح ويصيبه سهم فى فخذه ويبقى نصله فيه، ويؤسر البطل المغوار، ويقدم به تيودور إلى خرشنة ويظل بها فترة. ثم ينقل إلى القسطنطينية، ويذوق ذل الإسار وألم الجراح، غير أن نفسه تظل صلبة عاتية لا تنكسر أبدا، بل تزداد مع الأيام عتّوا وصلابة. ويكبر الروم فى أبى فراس فروسيته وبطولته فينزلونه فى قصر على البحر ويخصصون له خادما يقوم بأمره، ويأبى أن يخلع دروعه وسلاحه، فيظل بهما فى أسره.
ويطول الأسر أربع سنوات، فتكثر أشعار أبى فراس إلى أهله وسيف الدولة وإخوانه مؤملا فى الإسراع بفدائه، وكان مما أخره أن سيف الدولة يريده فداء عاما له ولكل من معه من المسلمين ممن وقعوا قهرا فى شراك الروم. وفى سنة ٣٥٥ يتفق الروم وسيف الدولة على اللقاء لفداء أسرى الطرفين، وفى شهر رجب ينزل أبو فراس مع ثلاثة آلاف أسير عربى بخرشنة، ويقدم سيف الدولة بأسرى الروم يفتدى بهم أبا فراس ومن معه من أسرى العرب. ويتم الفداء ويعود أبو فراس إلى حلب. وتأثر تأثرا شديدا لمرض سيف الدولة وما أصاب جنوده من انكسارات وانهزامات متلاحقة. ويتوفّى سيف الدولة فى السنة التالية، ويدور العام، ويحاول أبو فراس الاستيلاء على حمص من يد ابن سيف الدولة أبى المعالى ويلقاه مولاه قرغويه فى جمادى الأولى سنة ٣٥٧ ويكون فى ذلك حتفه، ويقال إنه سقط جريحا فى ساحة الحرب وشعر بدنو أجله فأنشد أبياتا يخاطب بها ابنته معزيا قائلا فى ختام أبياته بلسان حالها:
زين الشباب أبو فرا ... س لم يمتّع بالشباب
وطبيعى أن لا يكون المديح الموضوع الذى يستنفد شعر هذا الأمير الفارس، إذ لم يكن فى حاجة إلى التكسب بشعره، وأن يكون الفخر هو الموضوع الذى يستغرق شعره: فخره بقبيلته تغلب وأمجادها منذ الجاهلية، وبأسرته الحمدانية ومناقبها وما قدمته للعباسيين من انتصارات على الخوارج والقرامطة، وعلى الروم البينزيطيين، وفخر بمثاليته الخلقية الكريمة وبطولته. وتعدّ رومياته أو أشعاره فى أسر الروم القطع الأرجوانية فى ديوانه، وفيها غزل ورثاء واستعطاف كثير لابن عمه سيف الدولة كى يرد إليه حريته ليعود معه لمنازلة الروم وقراعهم قراعا لا يبقى منهم ولا يذر، وبين قصائدها بائية يرد بها ردا عنيفا على الدمستق حين طعن فى العرب وبسالتهم الحربية، وفيها أخذ يذكره باندحاراتهم أمام سيف الدولة ومقتل أخيه فى مرعش وجرح أبيه بها فى