للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها بسحره، وأقام من أودها (اعوجاجها) بناصع نظمه، وبارع نثره». وأتبع ذلك بفصول من تحميداته ورسائله الديوانية والشخصية وطائفة من أشعاره فى النسيب وغيره، وألحق أديب بترجمته فى الذخيرة من قديم ثلاثا من رسائله الأدبية فى: السيف والقلم، والنخلة، وأهب الشاء، وقدم لها بقوله إنها من بدائعه العقم (التى لا مثيل لها) المستنزلة للعصم (النوادر) ويقول إن ابن بسام لم يتجاف عنها غضا منها، ولكن ربما أعجله القدر أو لم يسمح له بها الزمن، وحرىّ أن نلمّ بها فى إجمال.

[(أ) رسالة السيف والقلم]

كتب ابن برد بهذه الرسالة إلى الموفق أبى الجيش مجاهد أمير دانية مناظرا بين السيف والقلم متقدما مناظرتهما بالثناء عليهما معا فهما مثل جوادين سبقا فى حلبة أو غصنين نسّقا فى تربة، بل هما مثل نجمين أنارا فى أفق، وسهمين صارا على نسق، غير أنهما جرّرا أذيال الخيلاء تفاخرا، وادعى كل واحد منهما أن له الفوز على صاحبه وامتد بينهما الجدال والخصام، فقاما يتباريان فى المقال، ويتساجلان فى الخصال. وبدأ القلم فقال:

{ن. وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ} فجلّ من مقسم وعزّ من قسم، لقد أخذت الفضل برمّته، وقدت الفخر بأزمّته. فقال السيف: عدنا من ذكر الطبيعة إلى ذكر الشريعة، ومن وصف الخصلة إلى وصف الملة، لا أسرّ ولكن أعلن، قيمة كل امرئ ما يحسن، إنّ عاتقا حمل نجادى (حمائل سيفى) لسعيد، وإن عضدا بات وسادى لسديد، أفصح والبطل قد خرس، وأبتسم والأجل قد عبس. فقال القلم: الحق أبلج (مضئ) والباطل لجلج (أعرج) أجلب الغنى من ضروعه، وأجتنى النّدى (الجود) من فروعه، وهل أنا إلا قطب تدور عليه الدول، وجواد شأوه (شوطه) يدرك الأمل، شفيع كل ملك إلى مطالبه، ووسيلته إلى مكاسبه فقال السيف: يالله! استنّت الفصال (أولاد النوق) حتى القرعى (١)، وربّ صلف تحت الرّاعدة. (٢) لقد تحاول امتدادا بباع قصيرة، وانتفاضا بجناح كسيرة، أمستعرب (دخيل فى العرب) والفلس ثمنك، وكل بقعة وطنك؟ إن الملوك لتبادر إلى دركى، ولتتحاسد فى ملكى، ولتتوارثنى على النسب، والتغالى فىّ على الحسب، فتكلّلنى (فتتوجنى) المرجان، وتنعلنى العقيان (٣)، وتلحفنى بحمائل


(١) مثل يضرب لمن يفعل ما ليس له بأهل والاستنان هنا: العدو. وهو يشير إلى أن الفصال إذا عدت حاكتها أخواتها المصابة بالقرع.
(٢) مثل يضرب للبخيل. والراعدة: السحابة. والصلف: قلة المطر أى أنها منوع مع كثرة ما تحمل من المطر.
(٣) العقيان: الذهب. تنعله هنا: تكسو غمده.

<<  <  ج: ص:  >  >>