وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبى نرجس وشقائق
حكت وجنة المعشوق صرفا فسلّطوا ... عليها مزاجا فاكتست لون عاشق
ويقال إنه عرض له فى أواخر عمره فالج (شلل) وسقى الدرياق فبرئ، ورجع إلى أفضل أحواله وإملائه على تلامذته. ثم مرض به ثانية، وظل سنتين توفّى فى نهايتهما، وتصادف أن كانت وفاته فى نفس اليوم الذى توفى فيه أبو هاشم الجبّائى المتكلم المعتزلى المشهور، ودفنا معا ببغداد فى مقبرة الخيزران.
[٥ - شعراء الهجاء]
مرّ بنا فى كتاب العصر العباسى الأول أن شعر العصبيات القبلية خبت ناره فيه وخبت معه نار النقائض، وحل محله شعر شعوبى أحيانا، ولكن الكثرة الكثيرة كانت هجاء شخصيّا يتعرض للأعراض مزريا بالمهجوّين محقّرا لهم ومهوّنا. ونستطيع أن نطرد هذا الحكم فى العصر العباسى الثانى، مع ملاحظة أن الشعر الشعوبى خبت ناره بدوره. ويبدو أن الفرس هم الذين كانوا يمدون تلك النار بوقود جزل، فلما ضعف شأنهم فى العصر وحل الترك محلهم فى السلطان ولم يعد لهم حول ولا قوة خفّت حدّة شعوبيتهم ولم يعد شعراؤهم يتغنون بها إلا نادرا وحتى هذا النادر لم تحتفظ به المصادر إلا قليلا جدا، لأنه لم يكن لشعراء نابهين إنما كان لشعراء مغمورين قلما عنى بهم أحد مثل محمد بن أبان الذى كان يكثر من الافتخار بالعجم (١)، ولم يبق من افتخاره شئ. وبذلك كان الهجاء الشخصى هو اللون العام فى العصر، وسبق أن لا حظنا فى كتاب العصر العباسى الأول أن شعراءه أكثروا فى هجائهم من القول الفاحش المقذع فى الأمهات والأخوات وظل ذلك فى هذا العصر وظل معه ذكر العورات مما ينبو عن الذوق هو وكل ما يتصل به من بذاءة، لن نقف عندها، إنما نقف عند الهجاء غير البذئ، وكانت نيرانه مضطرمة طوال العصر، فالشعراء