للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسارعون إليه كلما حجبهم وزير أو قصّر فى عطائهم، وكذلك كلما لقيهم قائد أو وال أو كاتب أو شخص نابه أو عالم لقاء غير حميد. وكثيرا ما كانت تجرّهم المنافسة إلى الدخول فى معارك هجاء حامية الوطيس. ومرّ بنا فى غير هذا الموضع، ما قيل عن البحترى من أنه هجا كثيرا من ممدوحيه، وبالغ بعض القدماء فقالوا إنه هجا نحوا من أربعين رئيسا ممن مدحهم، منهم خليفتان هما المنتصر والمستعين، وساق بعدهما الوزراء ورؤساء القواد ومن جرى مجراهم من جلة الكتاب والعمال ووجوه القضاة والكبراء (١). وإذا صح هذا عن البحترى الذى كانت تفتح له الأبواب الموصدة، وكان يمشى-بفضل جوائزه الكثيرة-فى موكب من عبيده فضلا عما كان يملك من الضياع فإن كثيرين غيره تورطوا فى الهجاء للرؤساء بأكثر من تورطه. ومرّ فى حديثنا عن ابن الرومى إكثاره من الهجاء ونفوذه فيه إلى لون من التصوير الهزلى الساخر يكبّر فيه عيوب المهجوين الجسدية والمعنوية. وابن الرومى والبحترى أكبر شعراء العصر، وعلى غرارهما كان الشعراء جميعا يسهمون فى هذا الفن، وكثيرا ما كانوا يخصّون به الوزراء حين يحرمونهم الجائزة، ولن ينفع الوزير عندهم أن يكون ممدّحا، بلى لعل ذلك أدعى إلى أن يسلّط عليه الشاعر سهام هجائه، من مثل قول دندن فى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل وكاتبه ابن يزداد (٢):

وإن ابن يزداد لأحول حوّل ... ولكنه يقرا (إذا الشمس كوّرت)

فقل لعبيد الله أحييت دولتى ... مكاسير زمنى (عطّلت) فتحيّرت

وأنت إذا ميّزت-أبلد منهم ... فصوتكم: حىّ المنازل أقفرت

ومجيئه بالآية القرآنية وكلمة {(عُطِّلَتْ)} الواردتين فى سورة التكوير يريد أن يشير بذلك إلى خراب الدولة، لأن السورة فى وصف نهاية العالم وما يكون بعد ذلك من البعث والنشور. وكان الشعراء كثيرا ما يتعرضون لأحمد بن إسرائيل وزير المعتز بالهجاء من مثل قول محمد بن مكرم (٣):


(١) الموشح للمرزبانى ص ٣٣٦.
(٢) معجم الشعراء ص ٣٩٦.
(٣) معجم الشعراء ص ٣٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>