للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن زمانا أنت مستوزر ... فيه زمان عسر أنكد

يذمّك الناس جميعا فما ... يلقاك منهم أحد يحمد

ولما انتكست الوزارة فى عصر المقتدر وكثرت الرشوة وعم الفساد فى الحكم وعم معه الظلم كما عمت مصادرة الأموال، توالى على الوزارة اثنا عشر وزيرا، ومنهم من تولى الوزارة مرتين وثلاثا، وكل وزير يصادر الذى قبله ويعمل كل ما فى وسعه لينهب أكثر ما يمكن من أموال الدولة، لما حدث كل هذا الانتكاس لأداة الحكم كثر هجاء الوزراء من مثل قول بعضهم فى هجاء الخاقانى الوزير (١):

للدواوين-مذ وليت-عويل ... ولمال الخراج سقم طويل

يتلقى الخطوب حين ألمّت ... منك رأى غثّ وعقل ضئيل

إن سمنتم من الخيانة والجو ... ر فللإرتفاع جسم نحيل

وكان الخاقانى معروفا بسوء السيرة والتدبير، وأخذ الرشوة ممن يولّيهم الأعمال، ولذلك كثرت فى أيامه الولاية والعزل، وكأن الدولة أصبحت دولة لصوص وقطّاع طرق. ومن هؤلاء اللصوص وقطاع الطرق ابن البريدى الوزير بأخرة من العصر وفيه يقول أبو الفرج الأصبهانى من قصيدة طويلة (٢):

يا سماء اسقطى ويا أرض ميدى ... قد تولّى الوزارة ابن البريدى

هدّ ركن الإسلام وانهتك المل‍ ... ك ومحّت (٣) آثاره فهو مودى

فاستهلّى يا عين بالدمع سحّا ... وقليل أن تذرفى وتجودى

ومرّ بنا آنفا أن المنافسة بين الشعراء كثيرا ما دفعتهم إلى التهاجى، وممن تعرّضوا له بالهجاء كثيرا مروان بن أبى الجنوب شاعر المتوكل، إذ كانوا ينفسون عليه الجوائز الطائلة التى كان يخصّه بها المتوكل، حتى من كانت تصلهم منه جوائز مماثلة، وكأنه تحاسد أهل الحرفة الواحدة، على نحو ما حدث بينه وبين على بن


(١) الفخرى ص ١٩٨.
(٢) تكملة تاريخ الطبرى للهمدانى ص ١١٣.
(٣) محت: درست.

<<  <  ج: ص:  >  >>