للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهم، وكان أكثر توقرا منه فى هجائه، إذ لم يكن يسفّ فيه إلى ذكر الأعراض.

ويتهاجى مع أبى نعامة الدقيقى، ويكويه بمثل قوله فى نعت شعره (١):

رأينا البرد مشتدّا ... فساءلنا عن القصّه

فقالوا منشد ينش‍ ... د شعر ابن أبى حفصه

وكان أبو نعامة كما مرّ بنا شيعيّا وكان خبيث اللسان، فقصر شعره على هجاء القواد ورؤساء الدولة فى أيام المتوكل ورماهم بأشنع القبائح، وهو هجاء كانت بواعثه سياسية. وكانوا ربما يهجون بالتزندق والانحراف عن الدين والإلحاد من مثل قول الجمّاز فى الجاحظ (٢):

يا فتى نفسه إلى ... ملّة الكفر تائقه

لك فى الفضل والتزه‍ ... د والنّسك سابقه

فدع الكفر جانبا ... يا دعىّ الزنادقه

وهو كذب وبهتان على الجاحظ أحد المحامين عن الإسلام فى عصره المدافعين المناضلين، ولكنه الهجاء يصم الناس بوصمات كاذبة افتراء وبهتانا. ومن مثل هذا الافتراء والبهتان قول شاعر فى محمد بن يزيد المبرّد العالم النحوى المشهور (٣):

سألنا عن ثمالة كلّ حىّ ... فقال القائلون ومن ثماله

فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله

وثمالة هى عشيرة المبرد، والبيتان يحملان تحقيرا شديدا وتهوينا بعيدا للمبرد وأنه خامل الذكر، وكان قد طبّق آفاق البلاد العربية شهرة فى عصره وقصده الطلاب من كل بلد يحملون عنه علمه. وبلغ من شيوع الهجاء حينئذ وانتشاره فى كل الأوساط أن المرأة شاركت فيه، وكان لها قديما مشاركة فى رثاء أهلها وندبهم والتفجع عليهم والنواح، وكذلك كان لها مشاركة فى الغزل والتعبير عن عواطف الحب ومشاعره، حتى إذا كان هذا العصر رأيناها تضيف إلى هذين الموضوعين مشاركة فى الهجاء من


(١) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٣٩٢.
(٢) معجم الشعراء ص ٣٧٥.
(٣) ديوان المعانى ١/ ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>