للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التشوق إلى بلده، وهو ما جعله فى أثناء مدحه لأبى زكريا يطلب إليه أن يوليه قضاء بلدته جمة قائلا:

ذكرت جمّة والذّكرى تهيج أسى ... وأين جمّة منّى والمنستير

وما مناى لياليها التى سلفت ... وما هواى محانيها المعاطير (١)

لكن بها رحم مجفوّة يئست ... من أن تقرّبنى منها المقادير

فإن رأى من أدام الله نعمته ... عليه لى خطّة فيها فمأجور

وكأن ابن عريبة خيّر أبا زكريا بين قضاء جمة أو قضاء المنستير بالقرب منها، وعيّنه قاضيا بتبرسق وظل بها إلى وفاته سنة ٦٥٩. ولما توفى أبو زكريا وتولى ابنه المستنصر نظم قصيدة رائعة جعل شطرها الأول عزاء فى أبى زكريا وشطرها الثانى تهنئة للمستنصر، وتمضى على هذه الشاكلة:

ولئن طوى بدر الإمارة مغرب ... فلقد جلا شمس الخلافة مطلع

فأضاء بالمرحوم ذلكم الثّرى ... وأنار بالمنصور ذاك المربع

بسطوا لسان الشكر فيمن بايعوا ... وثنوا عنان الصّبر عمّن ودّعوا

ورأوا خلال محمد فتباشروا ... وتذكّروا يحيى الرّضا فتفجّعوا

ويقول الرواة إنها قصيدة طويلة، ويدل ما ذكروه من أبياتها السالفة على مهارة ابن عريبة فى الجمع بين التعزية والتهنئة فى كل بيت من أبياتها. ولو وصلتنا القصيدة أو بعبارة أدق لو وصلنا ديوان ابن عريبة لاستطعنا أن نحكم على إبداعه الشعرى بصورة أكثر دقة، ومع ذلك فالأشعار التى أنشدها له الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب تدل على موهبة شعرية فذّة، وإذا كان التّراب السّوسى يدل على خطأ حكم ابن خلدون فى أن الشعر التونسى توقف بعد ابن رشيق وابن شرف، فابن عريبة يدل بدوره على خطأ هذا الحكم.

عبد (٢) الله التجانى

هو عبد الله بن محمد التجانى، من أسرة ظلت راعية للأدب والثقافة منذ عهد مؤسس الدولة الحفصية أبى زكريا إلى عهد أبى يحيى زكريا الذى اشتهر باسم ابن اللحيانى (٧١١ - ٧١٧ هـ‍)


(١) محانيها: منعطفاتها.
(٢) انظر فى التجانى الحلل السندسية (راجع الفهرس) والقسم الثالث من كتاب الورقات للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب ص ١٦٢ وكتابه المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ٢١٢ وراجع الرحلة طبع تونس.

<<  <  ج: ص:  >  >>