للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهجرى باسم زاوية سيد الناس محمد صلّى الله عليه وسلم. وأخذت الزوايا تتكاثر فى المغرب الأقصى منذ القرن العاشر الهجرى حينما ضعفت الدولة المرينية وأخذ البرتغاليون والإسبان يستولون على أطراف المغرب الأقصى على المحيط والبحر المتوسط وكأنما المغارية يئسوا من الدولة وحكامها، فأخذوا يلتفون حول شيوخ المتصوفة آملين أن يجدوا بينهم من يصلح أحوال البلاد ومن يحسن قيادتهم ضد أعدائها الخاسئين، وأسهموا بقوة فى بناء الزوايا بكل بلدة، وكانت الزاوية تضم الشيخ ومريديه، وأخذت سريعا لا تقتصر على مكان للعبادة بل أصبحت أشبه بمسجد وتضم إليها مبانى لسكنى شيخها أو شيوخها ومريديهم. وأيضا فإنها لم تعد مكانا للنسك فحسب بل أصبحت مكانا للتعليم ومدرسة يتخرج فيها كثيرون، وكانت تلقى بها خطب حماسية لإلهاب حمية الشباب فى مقاومة الأعداء المحتلين للديار والانقضاض عليهم والعصف بهم حتى لا تبقى منهم باقية، ومرّ بنا مدى جهاد هذه الزوايا وأصحابها فى طرد المحتلين والتنكيل بهم، وطبيعى أن يعدّ فى كل زاوية طعام لمن بها ولقصّادها. وعدّ الأستاذ عبد الجواد السقاط فى مقدماته للزاوية الدلائية أربعين زاوية منتشرة فى بلدان المغرب الأقصى وصحاريه، وفى رأينا أنها تزيد عن ذلك كثيرا. وتحول بعضها إلى ما يشبه مؤسسة كبيرة، بل مدينة تامة على نحو ما يلقانا فى الزاوية الدلائية وقد أفرد الأستاذ السقاط مجلدا كبيرا للحديث عن الحركة الشعرية بها وقدم لها بمقدمة عن تاريخها والجوانب الثقافية إذ كانت تدرس فيها العلوم الدينية واللغوية وعلوم الأوائل وكأنها جامعة صغرى مما يدل بوضوح على إسهام الزوايا بالمغرب الأقصى فى الحركة العلمية بجانب العناية بالأدب والشعر.

[المكتبات]

لا ريب فى أن المكتبات تعد أعظم المؤسسات العلمية، إذ تحمل التراث العلمى والأدبى جميعه للأمة وتفتح أبوابها يوميّا وتقدم كنوزها لطلاب والأدب وشيوخهما، ولن أستطيع تصوير أهميتها فى سطور معدودة ومعروف أنه كان بكل جامع فى كل بلد مكتبة، وقد أحصى الدكتور محمد حجى فى كتابه: الحركة الفكرية فى المغرب لعهد السعديين اثنتى عشرة مكتبة عامة بفاس منها اثنتان إحداهما مكتبة القرويين المليئة بالنفائس والكنوز من مثل تاريخ ابن خلدون بخطه، وعدّ بمراكش أربع مكتبات وبزاوية الدلاء مكتبة وبالمثل فى بعض المدن الكبرى. وعدّ من المكتبات الخاصة خمس عشرة مكتبة، منها مكتبة آل الغرديس بفاس استعان بها فقيه الجزائر الكبير أحمد بن يحيى الونشريسى المتوفى سنة ٩١٤ فى تأليف موسوعته الفقهية الكبرى: «المعيار» المنشورة فى ستة مجلدات. وكان قد أورثهم جدهم فى القرن الرابع الهجرى بكار بن عيسى الغرديسى شرفا عظيما إذ كان أول من حمل صحيح البخارى إلى المغرب الأقصى وعنه حمله كثيرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>