للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فطفل الصباح يحبو بين دايات الرياح والسحب ترضع أزهار الأرض على مهود الغصون، وأمهات الثمار من الأشجار يملؤها التيه والدلال بثيابها الخضراء، والماء يجلو الخمور من بنات الكروم بما يصوغ لها من عقود الحباب. وعلى هذا النحو ما نزال نحس عند الشريف العقيلى باندماجه فى الطبيعة وتملّى عينيه وقلبه بمشاهدها الساحرة، فهو مسحور بها سحرا لا حدود له، سحرا كان يحس إزاءه بنشوة كنشوة الخمر، وكان لا ينسى النشوتين جميعا حتى فى غزله كقوله:

قامت قيامة روحها لرواحى ... إن النّوى لقيامة الأرواح

وبكت فصار الدمع فى وجناتها ... مثل الحباب على كئوس الراح

وكأنّ صفحة وجهها لما بكت ... روض يرصّع ورده بأقاحى

وقرار هذه الأبيات الروض وما يرصعه من أنوار وأزهار وهو القرار العام لشعره، فهو شاعر الرياض ومباهجها، وهى أنشودته أو أناشيده التى ظل يتغنّى طوال حياته بها وبما كانت تلقى فى وهمه وخياله من رؤى وأحلام وأشباح لا تكاد تحصى، مما جعل الاستعارة المكنية القائمة على التشخيص تكثر فى أشعاره كثرة مفرطة، مع التفوق فيها والبراعة، ولاحظ ذلك الصفدى من قديم فقال: «ما رأيت أحدا من شعراء المتقدمين أجاد الاستعارة مثله ولا أكثر من استعاراته اللائقة الصحيحة التخيل».

ابن (١) قادوس

هو أبو الفتح محمود بن إسماعيل الدمياطى المشتهر باسم ابن قادوس، من شعراء النصف الأول من القرن السادس الهجرى، ذكره أبو الصلت الشاعر الأندلسى نزيل مصر فى رسالته التى ألفها عن الشعراء المصريين حوالى سنة ٥١٠ مما يدل على أن نجمه أخذ يلمع ويتألق فى المحافل الأدبية بالقاهرة منذ هذا التاريخ. وله مدائح مختلفة فى الأفضل بن بدر الجمالى المقتول. كما مر بنا سنة ٥١٥. ويبدو أن نجمه ظل يصعد فى الأدب حتى عمل فى الدواوين الفاطمية، ومازال يترقّى بها حتى أسندت إليه-مع الموفق بن الخلال-رياسة ديوان الإنشاء، واستمر يتقلدها حتى


(١) انظر فى ابن قادوس وترجمته وأشعاره الخريدة (قسم شعراء مصر) ١/ ٢٢٦ والرسالة المصرية فى المجموعة الأولى من نوادر المخطوطات نشر عبد السلام هرون وحسن المحاضرة للسيوطى ١/ ٥٦٣ ومقالا لنا عنه فى مجلة الثقافة العدد ٦٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>