بأهله وحاشيته إلى تلك المدينة، وظل بها إلى وفاته سنة ٤٥٤ هـ/١٠٦٢ م ودفن برباط المنستير مع آبائه، وقد بلغت القيروان وإفريقية التونسية فى عهده كل ما كان يأمله أهلها من تقدم فى المدنية والحضارة والعلوم، وازدهرت الزراعة والصناعة والتجارة، كما ازدهرت النهضة الأدبية وتكاثر الشعراء كثرة مفرطة مما سنعرض له فى غير هذا الموضع. واستخلف على الدولة بعده ابنه تميما وانكمشت الدولة إذ لم يعد يتبع تميما منها إلا جزء من ساحل البحر المتوسط بين سوسة وقابس، وكان عالما وشاعرا ومثالا للحاكم العربى الصلب وفى عهده أغار أسطول جنوى من ثلاثمائة سفينة على المهدية سنة ٤٨٠ هـ/١٠٨٧ م ولم يلبث أن انصرف لشدة مقاومته وأغارت بعده ثلاث وعشرون سفينة إيطالية فهزم بحارتها وقتل كثيرين منهم وعادوا مدحورين إلى البحر المتوسط وما وراءه. وفى أيامه استولى النورمان سنة ٤٨٤ هـ/١٠٩١ م على جزيرة صقلية وفى السنة التالية على جزيرة مالطة، ولم يكن يشاغب تميما أساطيل الغرب وقراصنته فحسب، فقد كان يشاغبه الأعراب المهاجرون إلى إفريقية التونسية، وظل صامدا على الرغم من قلة جنده وقلة موارده إلى أن توفى سنة ٥٠١ هـ/١١٠٧ م. وخلفه ابنه يحيى، وكان محبوبا من الرعية، وأنشأ أسطولا كبيرا غزا به جنوة وسردانية وعاد بأموال وغنائم وافرة وتوفى سنة ٥٠٩ هـ/١١١٥ م وولى بعده ابنه على وقد أنشأ فى عاصمته مدرسة للكيمياء عهد بها إلى الكيميائى الأندلسى أمية بن أبى الصلت ونابزه أحمد بن خراسان أمير تونس، فأرسل إليه جيشا اضطره إلى إعلان الطاعة، وتوفى سنة ٥١٥ هـ/١١٢١ م وخلفه ابنه الحسن فى الثانية عشرة من عمره، وفى أوائل عهده سنة ٥١٧ هـ/١١٢٣ م هاجم أسطول نورمانى المهدية، ولقيهم جنود الحسن وأنزلوا بهم مقتلة عظيمة، وعادوا خاسئين مدحورين. وأعد رجار الثانى أسطولا ضخما مكونا من ثلاثمائة سفينة وهجم به على المهدية، ورأى الحسن أن لا طاقة لجنده القليلين بلقائه فانسحب سنة ٥٤٣ هـ/١١٤٨ م من المهدية حقنا للدماء، واستغاث بعبد المؤمن بن على أمير دولة الموحدين بالمغرب الأقصى وكان النورمان قد احتلوا المهدية فخلصها منهم سنة ٥٥٥ هـ/١١٦٠ م وولى عليها الحسن بن على الصنهاجى وأشرك معه عاملا من الموحدين، وبذلك انتهت الدولة الصنهاجية من إفريقية التونسية بعد ما أدى حكامها الأولون والأخيرون من أعمال ومآثر جليلة.
(ج) الهجرة (١) الأعرابية
أعلن المعز بن باديس استقلاله بالقطر التونسى عن الدولة الفاطمية بمصر، وأسقط اسم الخليفة الفاطمى المستنصر من خطب الجمعة، وأمر الخطباء أن يذكروا الخليفة العباسى القائم
(١) خير مصدر فصّل القول فى هذه الهجرة ابن خلدون فى الجزء السادس من تاريخه (طبعة بولاق).