للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبيت الناس ليلة كل سبت حلقا، يقرءون القرآن بالشموع، كل ذلك فرحا بمجلسه ومسابقة إلى الأماكن» (١).

ومن كبار الوعاظ فى أوائل أيام المماليك ابن غانم المقدسى، وله حوار طريف مع إبليس سماه «القول النفيس فى تفليس إبليس» وهى رسالة صغيرة، أراد بها أن يعلم شياطين الإنس من أتباعه ضلالهم ومدى ما يتخبطون فيه من الغى. وأطرف من هذه الرسالة رسالة له سماها «كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار» وسنتحدث عنها بين الرسائل الأدبية. ومن خطباء دمشق ناصر الدين ابن البارزى المتوفى سنة ٨٢٣ ولى خطابة الجامع الأموى فترة، ويقول ابن حجة:

«لما فوضت إليه خطابة الجامع الأموى لم يبق أحد من أعيان دمشق إلا حضر فى تلك الجمعة لأجل سماع خطبته، وكانت براعتها (فاتحتها): الحمد لله الذى أيد محمدا بهجرته، ونقله من أحبّ البقاع إليه لما اختاره من تأييده ورفعته (٢)». ولا ريب أن الخطابة الدينية اطرد لها ازدهارها أيام العثمانيين، وأن كانت كتب التراجم لم تصور ذلك تصويرا واضحا. ونقف عند طائفة من خطب المواعظ ورسائلها وكتبها البديعة.

[(ا)] خطب ابن (٣) نباتة الفارقى

ابن نباته الفارقى هو الخطيب عبد الرحيم بن محمد، وفيه يقول ابن خلكان: «صاحب الخطب المشهورة. وقع الإجماع على أنه ما عمل مثلها وفيها دلالة على غزارة علمه وجودة قريحته، وكان خطيب حلب أيام سيف الدولة الحمدانى وكان كثير الغزوات، ولهذا أكثر ابن نباتة من خطب الجهاد ليحض الناس عليه، ويحثهم على نصرة سيف الدولة. ولد سنة ٣٣٥ وتوفى سنة ٣٧٤. وخلفه فى الخطابة ابنه أبو طاهر محمد المتوفى سنة ٣٩٠ ثم حفيده أبو الفرج طاهر المتوفى عام ٤٢٠. وطبعت خطبهم جميعا مرارا، وطبعت خطب عبد الرحيم مفردة وقد جعلها على عدد جمع السنة ابتداء من شهر المحرم إلى نهاية شهر ذى الحجة، ومن قوله فى الخطبة الثالثة لشهر صفر، بعد حمد الله والصلاة على رسوله الكريم:

«أيها الناس! تنزهوا عن حب الدنيا فإن متاعها قليل، وتزودوا بتقواكم فإن السفر طويل، ولا تطمعوا فى هذه الدنيا فإن البقاء فيها مستحيل، كيف لا والمنادى ينادى كل يوم يا عباد الله


(١) ذيل الروضتين (طبعة سنة ١٩٤٧) ص ٤٩
(٢) خزانة الأدب ص ٢٠
(٣) انظر فى ابن نباتة الفارقى ابن خلكان ٣/ ١٥٦ وعبر الذهبى ٢/ ٣٦٧ والشذرات ٣/ ٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>