للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها شبابها وجدت فى حربه غلب الظبى الأسد، إذ الظبى شمس سنا جمالا، ولا بد أن تحل الشمس فى برجها برج الأسد، وواضح أنه يكنى عنها بالظبى وعنه بالأسد تظرفا. وكان أحمد بن القاضى وشّاحا، أنشد له المقرى فى ترجمته بكتابه: «روضة الآس العاطرة الأنفاس» موشحا نبويا، استهلّه بقوله (١):

لاهتزاز البان وقت السّحر ... هامت الأرواح

وقيان الطير فوق الشّجر ... تجلب الأفراح

يا شقيق الروح هات القدحا ... من دنان الحان

قهوة تكسب قلبى الفرحا ... تطرب النّشوان

كلّ من دارت عليه شطحا ... من يدى وسنان (٢)

وواضح أنه استهلّ المدحة النبوية بالحديث عن الطبيعة الفاتنة وقت السحر وقد هامت بها الأرواح، والطير فوق الشجر تصدح بأغان تجلب الأفراح. ويلتفت إلى ساقى الخمر الصوفية فى السحر يطلب إليه أن يناوله قدحا دهاقا منها يشيع فى قلبه الفرح والبهجة، وكل من دارت عليه كأنما يغيب عن نفسه فيشطح شطحات متوالية. ويتجه فى الغصن الأخير من الموشح للرسول منشدا:

يا رسول الله غوث ومدد ... يا منيع الجار

أنت-والله-الكريم المعتمد ... لنزيح الدار

كن شفيعى يا نبيّا لا يردّ ... إنّك المختار

وهو يسأل الرسول استغاثة ومددا لا ينقطع، إذ هو الغيث المدرار، ويضرع أن يكون شفيعه، ويشير إلى أن شفاعته فى أمته يوم الحشر لا ترد. ونمضى إلى عصر العلويين فنلتقى بوشاح بارع هو ابن زاكور وسنفرد له ترجمة، ويلقانا بعده محمد بن الطيب العلمى تلميذه، وموشحاته تموج بالعذوبة، غير أنه اتجه بها نحو الخمر والمجون. وحرى بنا أن نتوقف قليلا للحديث عن ابن غرلة وابن الصباغ وابن زاكور.

ابن (٣) غرلة

لسنا نعرف شيئا عن نشأته، إنما نفاجأ به فى عصر عبد المؤمن (٥٢٤ هـ‍/١١٣٠ م- ٥٥٨ هـ‍/١١٦٣ م)، وأغلب الظن أنه عاش شطرا من حياته فى عصر المرابطين، وهو أول مغربى تمثل الموشحات والأزجال، ويقول صفى الدين الحلى فى كتابه: «العاطل الحالى» إنه


(١) روضة الآس ص ٢٦٣.
(٢) وسنان: فاتر الطرف.
(٣) انظر فى ابن غرلة كتاب العاطل الحالى لصفى الدين الحلى تحقيق د. حسين نصار، نشر هيئة الكتاب (راجع الفهرس). وانظر موشحته فى النبوغ المغربى ٣/ ٣٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>