للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أغناه عن تعب التعلّم طبعه ... إن العويص له يهون ويسهل

إن البلاغة فى البليغ غريزة ... لا بالعلاج ينالها المتطفّل

هل مثل أخلاق الكريم تخلّق ... لا، لا، ولا كحل الجفون تكحّل (١)

وهو يقول إن معانى شعر الشويعر راقية وألفاظه رائقة، ويشيد بفكره ولسانه، ويقول إنه ينسج ويحوك فى شعره البليغ حللا يتيه بها الشعر عجبا ويجرّها متبخترا، وهو شاعر الطبع لا يتكلف فى شعره، وعويصه يسهل عليه دون أى عناء. ويذكر أن بلاغة البليغ سليقة فيه وفطرة لا يوجدها التعلم ولا التكلف، وفرق بعيد بين شعر الطبع وشعر التكلف والتصنع كالفرق بين الأخلاق الطبيعية والتخلق وكحل الجفون الطبيعى والتكحل، وكأنه يعبر عن منهجه فى الشعر. توفى سنة ١٢٤٣ هـ‍/١٨٢٨ م وسنعود إليه فى شعر الفخر والحماسة.

٣ -

شعراء الفخر والهجاء

[(أ) شعراء الفخر]

الفخر فن شعرى قديم تغنى به الشاعر الجاهلى مصورا فيه مثاليته الخلقية من الشجاعة والكرم والنجدة والمروءة وما إلى ذلك من الصفات النبيلة، كما تغنى بمكارم قبيلته ومحامدها وبأسها فى الحرب. وظل الشاعر العربى-بعد العصر الجاهلى-يفخر بأخلاقه وشيمه الرفيعة من الوفاء والحلم والصبر فى الشدائد والكرم، ونما الشعر الحماسى فى الحروب الكثيرة التى اشتعلت بين العرب وأعدائهم على مر العصور. ونجده فى موريتانيا على ألسنة كثيرين، فمن ذلك قول محمد اليدالى مفاخرا بقومه بنى ديمان الحسانيين (٢):

ونحن ديمان أقطاب الرّحى وبنو ... ديمان خير بنى حسّان أديانا (٣)

نحن اكتسينا المعالى والعلا حللا ... حمرا ودرّا وياقوتا ومرجانا

ونحن كنا على وجه العلا غررا ... وفوق هام النّدى والعزّ تيجانا (٤)

وكان منزلنا فوق السّماك كما ... كنّا على وجنات الدهر خيلانا (٥)

حزنا المكارم والمجد المؤثّل وال‍ ... علياء من سالف الدّهر إلى الآنا (٦)


(١) تخلق الشخص: ظهوره بخلق لا ينطوى عليه. الكحل: سواد الجفون خلقة.
(٢) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٣٤١.
(٣) أقطاب الرحى: السيادة.
(٤) غررا جمع غرة: سادة مشهورين. الندى: الجود.
(٥) السماك: برج أو نجم-خيلان جمع خال: الحسنة على الوجنة.
(٦) المؤثل: الأصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>