لما فتح العرب العراق وإيران والشام ومصر ورثوا ما فى الأولى والثانية من الحضارات الساسانية والكلدانية والآرامية وما فى الثالثة والرابعة من حضارات بيزنطية وسامية قديمة ومصرية، وأخذوا يكوّنون من ذلك ومن تراثهم العربى الخالص حضارتهم الإسلامية، وكان طبيعيّا أن تغلب على الأمويين بدمشق الحضارة البيزنطية وما كان بالشام من عناصر سامية حضارية، حتى إذا نقل العباسيون حاضرة الخلافة إلى العراق غلبت عليهم الحضارة الساسانية وغلبت على ما كان به من عناصر كلدانية وآرامية، وهى تبدو واضحة فى بناء بغداد إذ أقامها المنصور مستديرة على شاكلة طيسيفون المعروفة باسم المدائن حاضرة الساسانيين، وابتنى فيها قصره المعروف بقصر الذهب على طراز قصورهم ذات الأواوين الفخمة.
وقد كشفت حفائر سامرّاء عن طريق بناء الدور والقصور لا فيها فحسب، بل أيضا فى بغداد، فقد كان يصل بين الدار والقصر وبين الشارع أو الدرب دهليز مسقوف (١) يفضى إلى فناء واسع يسلم إلى القاعة الكبرى أو الإيوان، وتتناثر فى الدهليز والفناء غرف متجاورات للسكنى والمرافق المنزلية، وتتصل بالإيوان بعض الغرف الصغيرة. وبجانب الفناء الكبير للدار أفنية صغرى ثانوية تعلوها بعض القباب، وأكبرها جميعا قبة الإيوان. وفى الدار حمامات ومجار تحت الأرض وسراديب معدة للسكى، وتكثر الأساطين فى الأفنية، وتكثر الشرفات وتلحق بها
(١) انظر فى ذلك كتاب الحضارة الإسلامية لآدم ميتز (الترجمة العربية) ٢/ ١٥١ وما بعدها، وراجع وصف إيوان قصر الأمين فى طبقات الشعراء لابن المعتز (طبع دار المعارف) ص ٢٠٩ ووصف إيوان قصر المعتصم فى الموشح المرزبانى ص ٣٠١.