للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض البساتين وبعض النافورات والبرك. وكانت مصاريع الأبواب تصنع من الخشب المحلّى بالنقوش وتتألق النوافذ بالزجاج الملوّن، وتزخرف الحيطان بالنقوش المستوحاة من الطير والحيوان والأشجار والأزهار، وقد يذهّب السقف والأبواب والحيطان وتعلق هنا وهناك ستائر الحرير المزركشة، وقد تحفر على الحيطان بعض الصور كالعنقاء، أما أرض الدار فكانت تموج بالبسط الإيرانية والأرمنية والطنانس ومناضد الآبنوس والتحف الثمينة وتماثيل العقيان والجامات المذهبة والأوانى المرصعة بالجواهر.

ولا ريب فى أن هذا البذخ إنما كان يتمتع به الخلفاء وحواشيهم من البيت العباسى ومن الوزراء والقواد وكبار رجال الدولة ومن اتصل بهم من الفنانين شعراء ومغنين ومن العلماء والمثقفين، وكأنما كتب على الشعب أن يكدح ليملأ حياة هؤلاء جميعا بأسباب النعيم، أما هو فعليه أن يتجرع غصص البؤس والشقاء وأن يتحمل من أعباء الحياة ما يطاق وما لا يطاق. ومردّ ذلك إلى طغيان الخلفاء العباسيين الذين حرموا الشعب حقوقه وطوقوه بالاستعباد والاستبداد والعنف الشديد، وقد مضوا هم وبطاناتهم يحتكرون لأنفسهم أمواله وموارده الضخمة، بحيث كانت هناك طبقة تنعم بالحياة إلى غير حد، وطبقات قتّر عليها فى الرزق، فهى تشقى إلى غير حد، واضطرب أوساط الناس من التجار وغيرهم بين الشقاء والنعيم.

وكانت خزائن الدولة هى المعين الغدق الذى هيأ لكل هذا الترف، فقد كانت تحمل إليها حمول الذهب والفضة من أطراف الأرض، حتى قالوا إن المنصور خلّف حين توفى أربعة عشر مليونا من الدنانير وستمائة مليون من الدراهم (١) وإن دخل بيت المال سنويّا لعهد الرشيد كان نحو سبعين مليونا من الدنانير (٢) وكانت هذه الأنهار الدافقة من الأموال تصبّ فى حجور الخلفاء ومن يحف بهم من بيتهم ومن الوزراء والقواد والولاة والعلماء والشعراء والمغنين ونسوق من ذلك أطرافا تصور ما آل إليه ذلك من شيوع الإقطاع والثراء العريض فى الطبقة الحاكمة وحواشيها ومن يلوذون بها، فقد روى عن المنصور أنه فرض لكل شخص من أهل بيته ألف ألف درهم فى كل عام (٣)، ويقال إن غلّة


(١) المسعودى ٣/ ٢٣٢.
(٢) انظر مقدمة ابن خلدون (طبع المطبعة الهية) ص ١٢٧ والجهشيارى ص ٢٨١ وضحى الإسلام (الطبعة الأولى) ١/ ١١١.
(٣) طبرى ٦/ ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>