المنصور الموحدى بنى فى القصبة قصرا للحرس من الرماة النصارى، وكان عددهم عادة خمسمائة، وكانوا يسيرون أمام موكب الخليفة حين ينتقل من مكان إلى مكان. وبعد خروج العرب من الأندلس نقل الإسبان والبرتغاليون الحرب الصليبية إلى سواحل البحر المتوسط والمحيط، وكانوا يظلون فيها-كما أسفلنا-سنوات تطول أو تقصر، ثم يغادرونها قسرا أو جبرا، وقد يستولون منهم على مئات يستخدمونهم عبيدا أو رقيقا ويكلفونهم بمختلف الأعمال من أبنية وتحصينات وغير تحصينات على نحو ما مرّ بنا من صنيع بطل تطوان فى ثلاثة آلاف أسير منهم كان ينهكهم فى أعمل التحصينات. وأخذ كثيرون من المسلمين المنفيين عن الأندلس بعد سقوط غرناطة وقرار فيليب الثالث المار يشتغلون بالقرصنة فى عرض البحر المتوسط وعلى سواحل إسبانيا انتقاما من ملوكها وكانوا يجلبون كثيرا من رقيق النصارى فى قرصنتهم ويستحيلون عبيدا، وكان كثير منهم يسلم، فينتهى رقه ويستحيل مسلما مواطنا.
٢ -
المعيشة
مر بنا فى الحديث عن جغرافية المغرب الأقصى أن أراضيه خصبة، ومن قديم كان أهله يعيشون على الزراعة ورعى الأنعام، وإذا أخذنا نسير فيه من الشمال إلى الغرب على المحيط وبدأنا بمنطقة الهبط وجدناها وافرة الإنتاج من الحبوب ومختلف الثمار من الفواكه وخاصة البرتقال والكرز. وتليها منطقة أزغار، وبها كثير من الحبوب والأقوات، ويزرع بها القطن، وبها كثير من الماشية والخيل والغزلان وأنواع ممتازة من الفواكه. وتجاورها منطقة فاس، ويقول الحسن الوزان بحديثه عنها: فى القسم الجنوبى من المدينة كثير من الحدائق المليئة بأشجار مثمرة متنوعة وممتازة مثل أشجار البرتقال والليمون والأترج والزهور الجميلة من بينها الياسمين والورود والرتم الذى استورده الأندلسيون من أوربا. وتحفل البساتين بقصور جميلة وبرك ماء وحنفيات، وتحاط البرك بالياسمين وبالورود وبأشجار البرتقال، وعند ما يمر الإنسان فى فصل الربيع بجوار هذه الرياض يشم أعطر شذى ينبعث من كل جانب، ولا يكاد يشبع نظر الإنسان من متعة جمالها وملاحتها، وتشبه كل روضة من هذه الرياض جنة أرضية. وكان من عادة الوجهاء الإقامة فيها ابتداء من مطلع شهر نيسان (أبريل) حتى آخر أيلول (سبتمبر). ويقول الوزان عن زروعها فى الشمال والشرق والجنوب: بها مزارع جميلة مليئة بالأشجار المثمرة من كل صنف، وتخترق هذه المزارع بعض تفرعات النهر، ولكثرة الأشجار يخيّل للناظر إليها من بعد أنها غابة حقيقية، وتنتج منها الثمار بوفرة، وثمارها من نوع جيد، ويقدر ما يباع فى اليوم بكل موسم خمسمائة حمل من الثمار فيما عدا العنب الذى لا يدخل فى هذا