المسلمين، ولاحقوهم بأنواع من التعذيب الشديد، فالتجأ كثيرون منهم إلى المغرب الأقصى وانتشروا فى مدنه وقراه من تخوم البحر المتوسط والمحيط إلى تخوم الصحراء. وفى كتاب وصف إفريقيا وحديث الحسن الوزان فيه عن المدن ما يصور مدى انتشارهم بعد سقوط غرناطة إذ يذكر أن فى مدينة بادس على البحر المتوسط شارع طويل يسكنه اليهود يباع فيه الخمر، ويقول الوزان إن لهم فى منطقة حاحة بمدينة تدنست مائة بيت يهودى وبمدينة آيت دوّاد كثير من الصناع اليهود يمارسون الحدادة وصنع الأحذية والصباغة والصياغة، وفى درعة وسجلماسة كثير من صناعهم وتجارهم. ويقول الوزان لهم فى تازه خمسمائة بيت ويعنون بصناعة الخمور من كروم البساتين فيها والمزارع. ويبدو أنهم كانوا كثيرين فى فاس منذ القرن الثامن الهجرى، إذ يذكر الحسن الوزان فى حديثه عن فاس أنهم كانوا يسكنون فى فاس القديمة ونقلهم السلطان المرينى أبو سعيد عثمان الذى تولى الدولة بين سنتى ٨٠١ هـ/١٣٩٨ م و ٨٢٥ هـ/١٤٢١ م إلى مدينة فاس الجديدة التى بناها مؤسس دولة بنى مرين سنة ٦٧٤ هـ/١٢٧٦ م وهم يشغلون فيها-كما يقول-شارعا طويلا جدا وعريضا للغاية حيث تقع دكاكينهم وكنائسهم أو معابدهم، ويذكر أن عددهم تزايد زيادة كبيرة حتى لم يعد من الممكن معرفة عددهم، كما يذكر أن معظم الصاغة منهم. وإذا كان الوزان يلاحظ ازديادهم المفرط فى زمنه لأوائل القرن العاشر الهجرى بعد سقوط غرناطة فلا بد أن أعدادهم فى فاس والمغرب الأقصى تضاعفت بعد طرد فيليب الثالث لهم من إسبانيا فى القرن الحادى عشر الهجرى ونراهم-منذ الدولة المرينية- يحاولون أن يكون لهم شئ من النفوذ عند بعض حكامها، وبلغوا من ذلك أن اتخذ آخر سلاطينها عبد الحق وزيرا منهم يسمى هارون فثارت عليه العامة ومعهم الفقهاء والخطباء، وعادوا فى الدولة السعدية يتصلون بحكامها، ونجحوا فى أن تتخذ منهم سفراء إلى أوربا وبعض من يمثلونها فى الصفقات التجارية الكبرى. ولا بد أن نذكر أن المغاربة لم يلتحموا بهذا العنصر أى التحام، فقد كان عنصرا دخيلا عليهم لغة ودينا ويقول الوزان فى حديثه عنهم بفاس إنهم كانوا محتقرين من كل الناس.
أما النصارى فلم يكونوا يوما عنصرا من عناصر السكان فى المغرب الأقصى إذ كانوا دائما وافدين عليه، وفدوا أيام الدولتين الرومانية والبيزنطية، ويبدو أنه كانت لهم جاليات فى مدينة سبتة وغيرها، يدل على ذلك من بعض الوجوه قول الوزان فى حديثه عن فاس: «نجد بعض أسماء الأعياد التى اعتاد النصارى الاحتفال بها والتى لا يزال الناس يعملون بها اليوم (فى زمنه) ولا يدرى أحد شيئا عن سبب التمسك بهذه الأعياد، ففى كل مدينة مغربية يحتفل ببعض الأعياد والعادات التى خلفها النصارى منذ الزمن الذى كانوا يحكمون فيه إفريقيا، يريد زمن الدولتين الرومانية والبيزنطية. ويدخل المغرب الأقصى فى الإسلام ويجلو عنه نصارى الدولتين إلا قليلا. ونمضى إلى عصر الموحدين فيذكر الحسن الوزان فى حديثه عن مراكش أن