للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى القريب للصّدى المتصل بالدعاء والجواب وجع الصوت، والمعنى البعيد المراد الذى ورّى عنه النصير الحمامى هو العطش. ويتوقف ابن حجة طويلا عند توريات ابن نباتة، وقد روى منها أكثر من مائة تورية، غير ما رواه مما أخذه عنه الصفدى وغيره، ومن طريف تورياته قوله لمن أهدى إليه تمرا رديئا غالبه نوى، إذ كتب إليه (١):

أرسلت تمرا بل نوى فقبلته ... بيد الوداد فما عليك عتاب

وإذا تباعدت الجسوم فودّنا ... باق ونحن على النّوى أحباب

والمعنى القريب المتبادر لكلمة النوى هو نوى التمر، والمعنى البعيد الذى أراده ابن نباتة هو البعد والفراق.

ويترك ابن حجة توريات ابن نباتة إلى توريات من جاء بعده من المصريين أمثال ابن الصائغ الحنفى وفخر الدين بن مكانس وبدر الدين البشتكى وابن أبى الوفا وابن حجر العسقلانى المصرى. وتستمر التورية فى الحقبة العثمانية وكأنها والمزاج المصرى صنوان لا يفترقان. ويلقانا فى أيام العثمانيين شاعر فكه كان يعيش للهزل هو عامر الأنبوطى وسنترجم له عما قليل بين شعراء الفكاهة فى العصر.

ابن (٢) مكنسة

هو إسماعيل بن محمد الإسكندرى عاش فى القرنين الخامس والسادس للهجرة إذ توفى سنة ٥١٠ وفيه يقول أبو الصلت فى الرسالة المصرية: «شاعر مكثر التصرف، قليل التكلف، يفتنّ فى نوعى جدّ التعريض وهزله، وضارب بسهم فى رقيقه وجزله». وكان مع جودة شعره يتبذل فى مديحه وبلغ منه ذلك أنه انقطع إلى عامل مسيحى يسمى أبا مليح فى عهد بدر الجمالى وزير المستنصر وكأنه لم يجد عند بدر ما يغنيه، فلما تحوّلت الوزارة منه إلى ابنه الأفضل وتعرّض لا ستماحته لم يقبله ولم يقبل عليه، لقوله فى رثاء أبى مليح:

طويت سماء المكرما ... ت وكوّرت شمس المديح

ماذا أرجّى فى حيا ... تى بعد موت أبى مليح


(١) خزانة الأدب ص ٣٦٢

(٢) انظر فى ابن مكنسة وترجمته وأشعاره الرسالة المصرية لأمية بن أبى الصلت نشر عبد السلام هرون والخريدة ٢/ ٢٠٣ وفوات الوفيات ١/ ٣٦ ومعجم السلفى فى مواضع متفرقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>