للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكثر التورية فى شعر القاضى الفاضل وزير صلاح الدين كثرة مفرطة من مثل قوله متشوقا إلى مصر وإلى شربة من ماء النيل (١):

بالله قل للنيل عنى إننى ... لم أشف من ماء الفرات غليلا

وسل الفؤاد فإنه لى شاهد ... أن كان طرفى بالبكاء بخيلا

يا قلب كم خلّفت ثمّ بثينة ... وأظن صبرك أن يكون جميلا

فقد غاب عن مصر مع صلاح الدين فى بعض رحلاته وحملاته إلى الموصل، وهو يعلن أن ماء الفرات لن يشفى غليله، ولن يكف بكاؤه شوقا إلى مصر ورياضها ونيلها. والتورية واضحة فى كلمة جميل بعد ذكره لبثينة صاحبة جميل الشاعر الغزل القديم.

ويتوقف ابن حجة الحموى بكتابه خزانة الأدب فى حديثه عن التورية ملاحظا أنه خلفت القاضى الفاضل شعبتان (٢): شعبة مبكرة وشعبة لا حقة، أما المبكرة فجميعها مصريون وجميع اللاحقة شاميون، ويعدّد المبكرة ومن قاموا عليها من المصريين فى القرنين السادس والسابع للهجرة مسميا لهم، وهم ابن سناء الملك من مثل قوله فى بعض غزله (٣):

ملكت الخافقين فتهت عجبا ... وليس هما سوى قلبى وقرطك

فهى لا تمتلك قرطها الخافق المهتز وحده بل تمتلك أيضا قلبه الخافق، والتورية فى كلمة الخافقين وهما الشرق والغرب. ويذكر ابن حجة بعد ابن سناء الملك شعراء القرن السابع المصريين: الجزار والوراق وابن النقيب والحمّامى وابن دانيال ومحيى الدين بن عبد الظاهر، وسنلم ببعض توريات من سنترجم لهم منهم، ومن توريات ابن النقيب قوله المشهور (٤):

أقول وقد شنوا إلى الحرب غارة ... دعونى فإنى آكل الخبز بالجبن

والتورية فى الجبن واضحة. ومن توريات النصير الحمامى قوله فى بعض غزله (٥):

ويظننى حيّا رويت بريقه ... فإذا دعا قلبى يجاوبه الصّدى


(١) خزانة الأدب للحموى (طبع مطبعة بولاق) ص ٣٠٠
(٢) خزانة الأدب ص ٢٩٨.
(٣) الديوان ص ٤٦٣ والخزانة ص ٣٠٠
(٤) خزانة الأدب ص ٣٠٨
(٥) نفس المصدر ص ٣٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>